يقول الحق جلّ جلاله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِين تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِم} وهم اليهود، لقوله: {مَن لَّعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ} [المائدة: 60] . والغضب في حقه تعالى: إرادة الانتقام. كان المنافقون يتولّون اليهود، وينقلون إليهم أسرار المؤمنين، ففضحهم الله. ثم قال تعالى: {ما هم منكم} يا معشر المسلمين {ولا منهم} أي: من اليهود، بل كانوا {مُّذبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لآَ إِلَى هَؤُلأَءِ إِلَى هَؤُلآَءِ} [النساء: 143] . {ويحلفون على الكذب} أي: يقولون: والله إنّ لمسلمون لا منافقون، {وهم يعلمون} أنهم كاذبون منافقون، {أعدَّ اللهُ لهم عذاباً شديداً} نوعاً من العذاب متفاقماً، {إِنهم ساء ما كانوا يعملون} فيما مضى من الزمان، كانوا مُصرِّين على سوء العمل، وتمرّنوا عليه، أو: هي حكاية ما يقال لهم في الآخرة.

{اتخَذُوا أَيمانهم} الكاذبة {جُنَّةً} وقايةً دون أموالهم ودمائهم، {فصَدُّوا} الناسَ في خلال أمنهم وسلامتهم، أو: فصدُّوا بأنفسهم {عن سبيل الله} عن طاعته والإيمان به، {فلهم عذابٌ مُهين} يُهينهم ويُخزيهم، وأعدّ لهم العذاب المخزي لكفرهم وصدهم، كقوله: {الَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَاباً فَوْقَ الَعَذَابِ} [النحل: 88] . {لن تُغني عنهم أموالُهم ولا أولادُهم من الله} من عذاب الله {شيئاً} قليلاً من الإغناء، أي: ما يخافون عليه من الأموال والأولاد فيحلفون لأجله، لا ينفعهم عند الله. رُوي أنَّ رجلاً منهم قال: لنُنصرنّ يوم القيامة بأموالنا وأنفسنا وأولادنا. فنزلت. {أولئك} الموصوفون بما ذكر من القبائح {أصحابُ النار} ملازموها {هم فيها خالدون} .

{

يومَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعًا فيحلِفون له} أي: لله تعالى في الآخرة أنهم كانوا مُخلِصين غير منافقين، {كما يحلفون لكم} في الدنيا على ذلك، {ويَحْسَبون أنهم} في الدنيا {على شيءٍ} من النفع، أو: يحسبون في الآخرة أنهم على شيءٍ من النفع، مِن جلب منفعة أو دفع مضرة، كما كانوا في الدنيا، حيث كانوا يدفعون بها عن أزواجهم وأموالهم، {ألا إِنهم هم الكاذبون} البالغون في الكذب إلى غايةٍ لا مطمح وراءها، حيث تجاسروا على الكذب بين يدي علاّم الغيوب.

{استحوذَ عليهم الشيطانُ} استولى عليهم ومَلَكَهم، {فأنساهم ذكرَ الله} بحيث لم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015