كمسّيك من أمسك. {و} هم أيضاً {الشهداءُ عند ربهم} وظاهره: أن كل مَن آمن بالله ورسله ينال درجة الصدّيقين، الذين درجتهم دون درجة الأنبياء، وفوق درجة الخواص، وأنَّ كل مَن آمن ينال درجة الشهداء، وليس كذلك، فينبغي حمل قوله: {آمَنوا} على خصوص إيمان وكماله، وهم الذين لم يشكّوا في الرسل حين أخبَروهم، ولم يتوقفوا ساعة، أي: سبقوا إلى الإيمان، واستشهدوا في سبيل الله. وسيأتي في الإشارة حقيقة الصدّيق. وقيل: كل مَن آمن بالله ورسله مطلق الإيمان فهو صدّيق وشهيد، أي: ملحق بهما، وإن لم يتساووا في النعيم، كقوله: {وَمَن يُطِع اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّيِنَ وَالصِّدِّيقِينَ ... } [النساء: 69] .
والحاصل على هذه العبارة: الترغيب في الإيمان والحث عليه، وهو وارد في كلام العرب في مبالغة التشبيه، تقول: فلان هو حاتم بعينه، إذا شابهه في الجود، ويؤيد هذا حديث البراء بن عازب: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " مؤمنو أمتي شهداء " قال مجاهد: (كل مؤمن صدّيق وشهيد) ، أي: على ما تقدّم، وإنما خصّ النبي صلى الله عليه وسلم ذكرَ الشهداء السبعة تشريفاً على رتب الشهداء غيرهم، ألا ترى أنَّ المقتول في سبيل الله مخصوص أيضاً بتشريف ينفرد به، وقال بعضهم: معنى الشهداء هنا: أنهم يشهدون على الأمم. قال ابن عباس ومسروق والضحاك: الكلام تام في قوله: " الصدّيقون "، وقوله: " الشهداء " استئناف كلام، أي: والشهداء حاضرون عند ربهم، أو: والشهداء {لهم أجرهم ونورهم} عند ربهم، قال أبو حيان: والظاهر: أن " الشهداء " مبتدأ، خبره ما بعده. هـ.
قلت: الظاهر: أنَّ الآية متصلة، فكل مؤمن حقيقي صدّيق وشهيد، أي: يلحق بهم، وقوله: {لهم أجرهم ونورهم} أي: لهم أجر الصدّيقين ونورهم، على التشبيه، ولا يبلغ المشبَّه درجة المشبَّه به. وإذا قيّدنا الإيمان بالسبق، فالمعنى لهم أجرهم كامل ونورهم تام، ويؤيد عدم التقييد: ذكر ضده عقبه، كما هو عادة التنزيل، بقوله: {والذين كفروا وكذّبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم} .
الإشارة: إنَّ المصدّقين والمصدّقات، وهم الذين بذلوا مهجهم وأرواحهم في مرضاة الله - ومَن كان في الله تلفه كان على الله خَلَفَه - وأقرضوا الله قرضاً حسناً، أي: قطعوا قلوبهم عن محبة ما سواه، وحصروه في حضرة الله، يُضاعف لهم أنوارهم وأسرارهم،