يقول الحق جلّ جلاله في بقية ذكر ما في الصُحف الأُولى: وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى أي: الانتهاء، أي: ينتهي إليه الخلق ويرجعون، إليه كقوله: وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ (?) أو: ينتهي علم العلماء إليه ثم يقفون، لقوله صلّى الله عليه وسلم:
«لا فكرة في الرب» (?) أي: كُنه الذات، وسيأتي في الإشارة. وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى أي: خلق الضحك والبكاء، أو: خلق الفرح والحزن، أو: أضحك المؤمنين في الأخرة، وأبكى الكافرين، أو: أضحك المؤمنين في العُقبى بالمواهب وأبكاهم في الدنيا بالنوائب، وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَأَحْيا أي: أمات الآباء وأحيا الأبناء، أو: أمات بالكفر وأحيا بالإيمان.
وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى، مِنْ نُطْفَةٍ إِذا تُمْنى: إذ تدفق وتُدفع في الرحم. يقال: منى وأمنى، وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرى الإحياء بعد الموت، وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنى أي: صيّر الفقير غنيّاً وَأَقْنى أي:
أَعطى القِنْيَة، وهو المال الذي تأثّلته (?) ، وعزمت ألاَّ تُخرجه من يدك. وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى، وهو كوكب يطلع بعد الجوزاء في شدة الحر، وكانت خزاعة تعبدها. سنّ لهم ذلك «ابن أبي كبشة» رجل من أشرافهم، قال:
لأن النجوم تقطع السماء عرضاً، والشعرى طولاً، ويقال لها: شعرى العبور. انظر الثعلبي. وكانت قريش تقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم ابن أبي كبشة، تشبيهاً له صلى الله عليه وسلم به، لمخالفته إياهم في دينهم، فأخبر تعالى أنه ربّ معبودهم، فهو أحق بالعبادة وحده.