الأمر به في ظاهر الأمر، ويُؤمر بإظهاره في حالة الدعوة، وكون الحق تبارك وتعالى أراد من قوم الكفر والمعاصي من غيب المشيئة، وسر القدر لا يقدح في عموم الدعوة التي تعلقت بالظواهر لأنه من قبيل الحقيقة، وما جاءت الرسل إلا بالشريعة، فالدعاة إلى الله يُعممون الدعوة، ويُحرِّضون على التبتُّل والأنقطاع إلى الله، وينظرون إلى ما يبرُز من غيب المشيئة. وقال الورتجبي: عن جعفر الصادق وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ أي:

ليعرفوني. هـ. ومداره قوله صلّى الله عليه وسلم فيما يحكيه عن رب العزة: «كنت كنزا مخفيا لم أُعرف، فأحببتُ أن أُعرف، فخلقت الخلق لأُعرف» (?) أي: ما أظهرت الخلق إلا لأُعرف بهم، فتجليت بهم في قوالب العبودية، لتظهر ربوبيتي في قوالب العبودية، فتظهر قدرتي وحكمتي، فسبحان الحكيم العليم.

قال أبو السعود: ولعل السر في التعبير عن المعرفة بالعبادة للتنبيه على أن المعتَبر هي المعرفة الحاصلة بعبادته تعالى، لا ما يحصل بغيرها، كمعرفة الفلاسفة. هـ. قلت: وكل معرفة وحقيقة لا تصحبها شريعة لا عبرة بها، بل هي زندقة أو دعوى (?) . وبالله التوفيق.

وقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ، هذه الآية وأمثالها هي التي غسلت الأمراض والشكوك من قلوب الصدِّيقين، حتى حصل لهم اليقين الكبير، فسكنت نفوسُهم، واطمأنت قلوبهم، فهم في روح وريحان. والأحاديث في ضمان الرزق كثيرة، وأقوال السلف كذلك، وفي حديث أبي سعيد الخدري عنه صلّى الله عليه وسلم قال: «لو فَرَّ أحدُكم من رِزْقه لتبعه كما يَتْبعه الموتُ» (?) وقال أيضاً عن الله عزّ وجل: «يقول: يا ابن آدم تفرَّغْ لعبادتي، املأ صدرك غِنىً، وأسُد فقرك، وإلا تفعل ملأت يدك شغلا» (?) ، وقال صلى الله عليه وسلم: «مَن كانت الآخرة هَمَّه، جعل الله غناه في قلبه، وجمع له شَمْلَه، وأتته الدنيا وهي صاغرة، ومَن كانت الدنيا همه جعل الله فقرّه بين عينيه، وفرَّق عليه شملَه، ولَمْ يَأتِهِ مِنَ الدُّنْيا إلا ما قُدِّر له» (?) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015