الفريقين إلا ليُوحِّدون. وقال بعضهم: خلقهم ليفْعلوا، ففعل بعضٌ وترك بعضٌ. وليس فيه حجة لأهل القدر. هـ.
منه (?) . والمراد بأهل القدر: المعتزلة، القائلون بأن الله تعالى لم يُرد الكفر والمعاصي، وهو باطل، وسيأتي في الإشارة بقية تحقيق إن شاء الله.
ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ أي: ما خلقتهم ليَرزقوا أنفسهم، أو واحداً من عبادي، وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ، قال ثعلب: أن يُطعموا عبادي، وهو إضافة تخصيص، كقوله عليه السلام: «مَن أكرم مؤمناً فقد أكرمني ومَن آذى مؤمناً فقد آذاني» (?) ، والحاصل: أنه تعالى بيَّن أن شأنه مع عباده متعالياً عن أن يكون كشأن السادات مع عبيدهم، حيث يملكونهم ليستعينوا بهم في تحصيل معايشهم، وتهيئة أرزاقهم، أي: ما أريد أن أصرفهم في تحصيل رزقي ولا رزقهم، بل أتفضّل عليهم برزقهم، وبما يصلحهم ويعيشهم من عندي، فليشتغلوا بما خُلقوا له من عبادتي.
إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ أي: يرزق كل مَن يفتقر إلى الرزق، وفيه تلويح بأنه غني عنه، ذُو الْقُوَّةِ ذو الاقتدار، الْمَتِينُ أي: الشديد الصلب. وقرأ الأعمش «المتِين» بالجر (?) ، نعت للقوة، أي: ذو القوة المتينة، وإنما ذكّره لتأول القوة بالاقتدار.
فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا أنفسهم، بتعريضها للعذاب، حيث كذّبوا الرّسول صلّى الله عليه وسلم، أو: وضعوا التكذيب مكان التصديق، وهم أهل مكة، ذَنُوباً أي: نصيباً وافراً من العذاب، مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ مثل عذاب نظائرهم من الأمم المحكية. قال الزجاج: الذَنوب في اللغة: النصيب، مأخوذ من مقاسمة السُقاة الماءَ بالذنوب، وهو الدلو العظيم المملوء. فَلا يَسْتَعْجِلُونِ ذلك النصيب، فإنه لاحق بهم، وهذا جواب النضر وأصحابه حين استعجلوا العذاب.
فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا، وضع الموصول موضع ضميرهم تسجيلاً عليهم بالكفر، أي: فويلٌ لهم مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ، أي: من يوم القيامة، أو يوم بدر، والأول أنسب لما في صدر السورة الآتية.
الإشارة: اعلم أن الحق- جلّ جلاله- إنما بعث الرسلَ بإظهار الشرائع، ليحوّشوا العباد إلى الله، ويدعوهم إليه كافة، ويأمروهم بالتبتُّل والانقطاع، من غير التفات لمَن سبق له السعادة أو الشقاء لأن ذلك من سر القدر، وغيب المشيئة لا يجوز كشفه في حالة الدعوة، فقوله تعالى: وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ هذا ما يمكن