فيه مصلحة نطق به، وإلا ردَّه وكتمه، فالواجبُ: وزن الخواطر بالقسطاس المستقيم، فلا يُظهر منها إلا ما يعود عليه منفعته.
وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ، قد بَيَّن لكم ما تفعلون وما تذرون، ظاهراً وباطناً، ومَن اتصل بخليفة الرسول، وهو الشيخ حكّمه على نفسه، فإن خطر في قلبه شيءٌ يهِمُّ أمرُه عَرَضه عليه، والشيخ ينظر بعين البصيرة، لو يطيعكم في كثير من أمركم التي تعزمون عليها لَعَنِتُّم، ولكنَّ الله حبب إليكم الإيمان، وزينه في قلوبكم، فتَستمعُون لما يأمركم به، وتمتثلون أمره، وكره إليكم الكفر والفسوق الخروجَ عن أمره ونهيه، والعصيان لما يأمرُكم به، فلا تَرون إلا ما يسرّكم، ويُفضي بكم إلى السهولة والراحة، فضلاً من الله ونعمة، فإنَّ السقوط على الشيخ إنما هو محض فضل وكرم، فلله الحمد وله الشكر دائماً سرمداً.
وللقشيري إشارة أخرى، قال: إن جاءكم فاسق بنبأ يشير إلى تسويلات النفوس الأمّارة بالسوء، ومجيئها كل ساعة بنبأِ شهوةٍ من شهوات الدنيا فتبيّنوا ربحَها من خسرانها، من قبل أن تُصيبوا قوماً من القلوب وصفائها بجهالة، فإنَّ ما فيه شفاءُ النفوس وحياتها فيه مرضُ القلوب ومماتُها فتُصبحوا صباحَ القيامة على ما فعلتم نادمين، واعلموا ان فيكم رسول الله، يُشير إلى رسول الإلهام في أنفسكم، يُلهمكم فجور نفوسكم وتقواها، لو يطيعكم في كثير من أمرِ النفس الأمّارة، لَعَنِتُّم لوقعتم في الهلاك، ولكنّ الله حبب إليكم الإيمان بالإلهامات الربانية، وزيَّنه في قلوبكم بقلم الكَرَم، وكرَّه بنور نظر العناية إليكم الكفر، والفسوق: هو ستر الحق والخروج إلى الباطل، والعصيان، وهو الأعراض عن طلب الحق، أولئك هم الراشدون إلى الحق بإرشاد الحق، فضلاً من الله ونعمةً منه، يُنعم به على من شاء من عباده، والله عليم حكيم «1» . هـ.
ثم أمر الرّاشدين المتقدمين بالإصلاح بين النّاس، إذ لا ينجح في الغالب إلا على أيديهم، فقال:
وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10)