فقال صلّى الله عليه وسلم لحسّان: قم فأجبه، فقال:
إنَّ الذوائبَ من فِهْرٍ وإخوتهمْ ... قَدْ شَرَّعوا سُنَّةً للناس تُتبعُ
يرضى بها كلُّ مَن كانت سريرتُه ... تَقوَى الإله وكلُّ الفخر يُصطنعُ (?)
ثم قال الأقرع شعراً افتخر به، فقال عليه السلام- لحسّان، قم فأجبه، فقال حسّان:
بَنِي دَارِمٍ، لاَ تَفْخُروا، إِنَّ فَخْرَكُمْ ... يَعُودُ وَبالاً عِنْد ذِكْرِ الْمكَارِمِ
هَبلْتُم، عَليْنا تَفْخرُون وأَنْتُم ... لَنا خَوَلٌ من بَيْن ظِئْرٍ وخادِمِ (?)
فقال صلّى الله عليه وسلم: «لقد كنتَ غنياً عن هذا يا أخا بني دارم أن يذكر منك ما قد ظننت أن الناس قد نسوه» ، ثم قال الأقرعُ: تكلم خطيبُنا، فكان خطيبهُم أحسن قِيلاً، وتكلم شاعرُنا فكان شاعِرُهم أشعر. هـ (?) .
هذا ومناداتُهم من وراء الحجرات إما لأنهم أتَوْها حجرةً حجرة، فنادوه صلّى الله عليه وسلم من ورائها، أو: بأنهم تفرقوا على الحجرات متطلبين له صلى الله عليه وسلم، أو: نادوه من وراء الحجرة التي كان فيها، ولكنها جُمعت إجلالاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وقيل:
الذي ناداه عُيينةُ بن حصن والأقرعُ، وإنما أُسند إلى جميعهم لأنهم راضون بذلك وأَمروا به. أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ، إذ لو كان لهم عقل لَمَا تجاسروا على هذه العظيمة من سوء الأدب.
وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا أي: ولو تحقق صبرُهم وانتظارُهم، فمحل (أنهم صبروا) رفعٌ على الفاعلية لأنَّ «أنْ» تسبك بالمصدر، لكنها تفيد التحقق والثبوت، للفرق بين قولك: بلغني قيامك، وبلغني أنك قائم، و «حتى» تُفيد أن الصبر ينبغي أن يكون مُغَيّاً بخروجه عليه السلام، فإنها مختصة بالغايات. والصبرُ: حبسُ النفس على أن تُنازع إلى هواها، وقيل: «الصبر مرٌّ، لا يتجرعه إلا حُرٌّ» . أي: لو تأنوا حتى تخرج إليهم بلا مناداة لكان الصبرُ خيراً لهم من الاستعجال، لِما فيه من رعاية حسن الأدب، وتعظيمِ الرسول، الموجبتين للثناء والثواب، والإسعاف بالمسئول إذ رُوي أنهم وفدوا شافعين في أسارى بني العنبر، وذلك أنه صلّى الله عليه وسلم بعث سريةً إلى حي بني العنبر، وأمّرَ عليهم عيينة