وقال في القوت: الوقاية مقرونة بالنصرة فإذا تولاَّه نَصَره على أعدائه، وأعْدى عدُوه نفْسُه، فإذا نَصَره عليها، أخرج الشهوة منها، فامتحنَ قلبَه للتقوى، ومحّض نفسَه، فخلّصها من الهوى.. هـ.
ثم ذكر من لم يستعمل الأدب مع الحضرة النّبوية، فقال:
إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (4) وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)
يقول الحق جلّ جلاله: إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ من خارجها، أو: من خلفها، أو:
من أمامها، فالوراء: الجهةُ التي تُواري عنك الشخص تُظلّله من خلف أو من قُدّام، و «من» لابتداء الغاية، وأنّ المناداة نشأت من ذلك المكان، والحجرة: الرقعة من الأرض، المحجورة بحائطٍ يحوط عليها، فعْلة، بمعنى مفعولة، كالقُبْضَة، والجمع: حُجُرات، بضمتين، وبفتح الجيم، والمراد: حجرات النبي صلى الله عليه وسلم، وكان لكل امرأة حُجرة.
نزلت في وفد بني تميم، وكانوا سبعين، وفيهم عينيةُ بن حِصنُ الفزاري، والأقرعُ بن حابس، وفَدوا على النبي صلى الله عليه وسلم وقت الظهيرة، وهو راقد، فنادوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من وراء حجراته، وقالوا: اخرجْ إلينا يا محمدُ فإنَّ مَدْحَنَا زَيْنٌ، وذمّنا شيْن، فاستيقظ، وخرج عليه السلام وهو يقول: «ذلكم الله الذي مدحُه زين، وذمّه شين» ، فقالوا: نحن قوم من بني تميم، جئنا بشاعرنا وخطيبنا، لنشاعرك، ونفاخرك، فقال صلّى الله عليه وسلم: «ما بالشعر بُعثت، ولا بالفخار أُمرت» ، ثم أمر صلّى الله عليه وسلم خطيبهم فتكلّم، ثم قال لثابت بن قيس بن شماس- وكان خطيب النبي صلى الله عليه وسلم: قم، فقام، فخطب، فأقحم خطيبَهم، ثم قام شاب منهم، فأنشأ يقول:
نَحنُ الْكرامُ فَلاَ حَيٌّ يُعَادِلُنَا ... فينا الرُّؤوس وفينا يُقْسَمُ الرَّبعُ
ونُطعِمُ النَّاسَ عِندَ الْقَحطِ كُلَّهمُ ... إنَّا كَذَلِكِ عند الفخر نرتفع «1»