بحق اليقين. ويقال: قال صلّى الله عليه وسلم: «أنا أعملكم بالله وأخشاكم له» فنزلت الآية (?) ، أي: أُمر بالتواضع. وهنا سؤال:
كيف قال: «فاعلم» ولم يقل صلّى الله عليه وسلم بعدُ: علمتُ، كما قال إبراهيم حين قال له: أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ (?) ويُجاب:
بأن الله تعالى أخبر عنه بقوله: آمَنَ الرَّسُولُ (?) والإيمان هو العلم، فإخبارُ الحق- تعالى- عنه أتم من إخباره عن نفسه بقوله: علمته.
ويُقال: إبراهيم عليه السلام لما قال: أَسْلَمْتُ ابتلى، ونبينا صلّى الله عليه وسلم لم يقل علمت، فعُوفي، ويقال: فرق بن موسى، لمَّا احتاج إلى زيادة العلم أُحيل على الخضر، ونبينا صلّى الله عليه وسلم قال له: قُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً (?) فكم بين مَن أُحيل في استزادة العلم على عبد، وبين مَن أُمِر باستزادة العلم من الحق. ويقال: إنما أمره بقوله: فَاعْلَمْ بالانقطاع إليه من الحظوظ من الخلق، ثم بالانقطاع منه إليه، وإذا قال العبد هذه الكلمة على العادة، والغفلة عن الحقيقة، [وهي نصف البيان] (?) فليس لهذا القول كبيرُ قيمةٍ، وهذا إذا تعجب من شيء فذكر هذه الكلمة، فليس له قَدْرٌ، وإذا قاله مخلصاً ذاكراً لمعناها، متحققاً بحقيقتها، فإن قاله بنفسه فهو في وطن التفرقة، وعندهم هذا من الشِّرْكِ الخفيِّ، وإن قاله بالحق فهو إخلاص، والعبد أولاً يعلم ربه بدليل وحُجةٍ، فعلمه بنفسه ضروري، وهو أصل الأصول، وعليه ينبني كل علم استدلالي، ثم تزداد قوةُ علمه بزيادة البيان، وزيادة الحُجج، ويتناقض علمه بنفسه لغَلَبة ذكرِ الله بقلبه عليه، فإذا انتهى لحال المشاهدة، واستيلاء سلطان الحقيقة عليه، صار علمه في تلك الحالة ضرورياً، ويقِل إحساسه بنفسه، حتى يصير علمه بنفسه كالاستدلال، وكأنه غافلٌ عن نفسه، أو ناسٍ لنفسه، ويُقال: الذي في البحر غلب عليه ما يأخذه من الرؤية عن ذكر نفسه، فإذا ركب البحر فرَّ من هذه الحالة، فإذا غرق في البحر فلا إحساس له بشيء سوى ما هو مستغرقٌ فيه مستهلَك. هـ.
قلت: لا مدخل للحجج هنا، وإنما هو أذواق وكشوفات، فالصواب أن يقول: ثم تزداد قوة علمه، بزيادة الكشف والذوق، حتى يغيب عن وجوده، بشهود معبوده، فيتناقض علمه، فيصير علمه بالله ضرورياً، وعلمه بعدم وجوده ضرورياً، والله تعالى أعلم.