الربوبية محال عادة، قال صلّى الله عليه وسلم مع جلالة منصبه: «لا أُحصي ثناء عليك، أنتَ كَمَا أثنَيتَ عَلى نفسك» (?) ف كل ما قَرُبَ العبدُ من الحضرة شُدّد عليه في طلب الأدب، فإذا أخذته سِنةٌ أُمر بالاستغفار، ولذلك كان صلّى الله عليه وسلم يستغفر في المجلس سبعين مرة، أو مائة، على ما في الأثر (?) .
وقال شيخ شيوخنا، سيدي عبد الرَّحمن الفاسي، بعد كلام: والحق أن استغفاره صلّى الله عليه وسلم طلب ثبات المغفرة والستر من الوقوع، لا طلب العفو بعد الوقوع، وقد أخبره تعالى بأنه فعل. وقد يُقال: استغفار تعبُّد لا غير. قال: والذي يظهر لي أن أمره بالاستغفار مع وعد الله بأنه مغفور له إشارة إلى الوقوف مع غيب المشيئة، لا مع الوعد، وذلك حقيقةٌ، والوقوف مع الوعد شريعة. وقال الطيبي: إذا تيقنت أن الساعة آتية، وقد جاء أشراطها، فخُذ بالأهم فالأهم، والأَولى فالأَولى، فتمسّك بالتوحيد، ونزِّه اللهَ عما لا ينبغي، ثم طَهِّر نفسك بالاستغفار عما لا يليق بك، مِن ترك الأَولى، فإذا صِرت كاملاً في نفسك فكن مكمِلاً لغيرك، فاستغفر لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ. هـ. أي: استغفر لذنوبهم، بالدعاء لهم، وترغيبهم فيما يستدعي غفران ذنوبهم.
وفي إعادة الجار تنبيه على اختلاف متعلّقيه إذ ليس موجبُ استغفاره صلّى الله عليه وسلم كموجب استغفارهم، فسيئاته- عليه السلام- فرضاً- حسناتهم. وفي حذف المضاف، وإقامة المضاف إليه مقامه- أي: ولذنب المؤمنين- إشعار بعراقتهم في الذنوب، وفرط افتقارهم إلى الاستغفار.
وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْواكُمْ أي: يعلم متقلبكم في الدنيا، فإنها مراحل لا بد من قطعها، ويعلم مثواكم في العقبى فإنها مواطن إقامتكم، فلا يأمركم إلا بما هو خير لكم فيهما، فبادِروا إلى الامتثال لما أمركم به، فإنه المهم لكم، أو: يعلم متقلبكم: في معايشكم ومتاجركم، ومثواكم: حيث تستقرون في منازلكم، أو متقلبكم: في حياتكم، ومثواكم: في القبور، أو: متقلبكم: في أعمالكم الحسنة أو السيئة، ومثواكم: من الجنة أو النار، أو: يعلم جميع أحوالكم فلا يخفى عليه شيء منها، فمثله حقيق بأن يُخشى ويُتقى ويُستغفر.
الإشارة: قال القشيري: قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلهَ إِلَّا اللَّهُ، وكان عالماً، ولكن أمره باستدامة العلم واستزادته، وذلك في الثاني من حاله في ابتداء العلم، لأن العلم أمر، ولا يجوز البقاء على الأمر الواحد، ف كل لحظة يأتي فيها علم. ويقال: كان له علم اليقين، فأُمِر بعين اليقين، أو: كان له عين اليقين، فأمر