الرِّيحُ تَبْكِي شَجْوَها ... والبَرْقُ يَلْمعُ فِي الغمامَهْ (?)
وقال جرير، يرثي عمرُ بنُ عبد العزيز:
فالشَّمسُ طالِعةٌ ليستْ بكاسفةٍ ... تَبكي عليك نُجُومَ اللَّيل والْقَمَرَا
حُمّلْتَ أمراً عظيماً فاصطَبرَتْ له ... وقُمْتَ فينا بأمر اللهِ يَا عُمَرا (?) .
وقيل: البكاء حقيقة، وأن المؤمن تبكي عليه من الأرض مُصلاَّه، ومحل عبادته، ومن السماء مَصْعدُ عمله، كما في الحديث (?) ، وإذا مات العالم بكت عليه حيتان البحر، ودوابه، وهَوام البر وأنعامه، والطير في الهواء، وهؤلاء لمَّا ماتوا كُفاراً لم يعبأ الوجودُ بفقدهم، بل يفرح بهلاكهم. وَما كانُوا لّمَّا جاء وقت هلاكهم مُنْظَرِينَ ممهلين إلى وقت آخر، أو إلى الآخرة، بل عجّل لهم في الدنيا.
وَلَقَدْ نَجَّيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ لما فعلنا بفرعون وقومه ما فعلنا مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ، من استعباد فرعون إياهم، وقتل أبنائهم، واستحياء نسائهم، مِنْ فِرْعَوْنَ، بدل من العذاب المهين بإعادة الجار، كأنه في نفسه كان عذاباً مهيناً، لإفراطه في تعذيبهم وإهانتهم، أو خبر عن مضمر، أي: ذلك من فرعون، وقُرئ «مَن فرعون» (?) على معنى: هل تعرفونه مَن هو في عتوه وتفرعنه؟ وفي إبهام أمره أولاً، وتبيينه بقوله تعالى: إِنَّهُ كانَ عالِياً مِنَ الْمُسْرِفِينَ ثانياً، من الإفصاح عن كُنه أمره في الشر والفساد مما لا مزيد عليه، وقوله تعالى: مِنَ الْمُسْرِفِينَ إما خبر ثان، أي: كان متكبراً مسرفاً، أو حال من الضمير في «عالياً» ، أي: كان رفيع الطبقة من بين المسرفين، فائقاً لهم، بليغاً فى الإسراف.