والليلة المباركة عند القوم، هي ليلة الوصال والاتصال، حين يُمْتَحى وجودُهم، ويتحقق فناؤهم، وكل وقت يجدون فيه قلوبهم، ويفقدون وجودهم فهو مبارك، وهو ليلة القدر عندهم، فإذا دام اتصالهم، كانت أوقاتهم كلها ليلة القدر، وكلها مباركة. قال الورتجبي: قوله تعالى: فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ كانت مباركة لتجلِّي الحق فيها بالأقضية، والرحمة غالبة فيها، ومن جملتها: إنزال القرآن فيها فإنه افتتاح وصلة لأهل القربة. هـ.

قال القشيري: وسمّاها ليلة مباركة لأنها ليلة افتتاح الوصلة، وأشدُّ الليالي بركةً، ليلةٌ يكون العبد فيها حاضراً بقلبه، مشاهداً لربه، يتنسّم (?) بأنوار الوصلة، ويجد فيها نسيم القربة، وأحوال هذه الطائفة في لياليهم مختلفة، كما قالوا، وأنشدوا:

لا أَظْلِمْ الليلَ ولا أَدَّعي ... أنّ نُجومَ الليلِ ليست تَغُورُ

لَيْلِي كما شَاء فإن لم يَزرْ ... طالَ، وإن زار فلَيْلي قَصيرُ. هـ. (?)

أي: لَيْلِي كما شاء المحبوب، فإن لم يزرني طال ليلِي، وإن زارني قَصُر. والحاصل: أن أوقات الجمال والبسط كلها قصيرة، وأوقات الجلال كلها طويلة، وقوله تعالى: فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ أي: في ليلة الوصال تفرق وتبرز الحِكَم والمواهب القدسية، بلا واسطة، بل أمراً من عندنا، والغالب أن هذه الحالة لا تكون إلا عند الحيرة والشدة من الفاقة أو غيرها، وكان بعض العارفين من أشياخنا يستعدُّون فيها لكتب المواهب، ويسمونها ليلة القدر.

وقوله تعالى: إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ، رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ هو الرّسول صلّى الله عليه وسلم قال: «أنا الرحمة المهداة» (?) ، فرحمة مفعول به، إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ. قال القشيري: السميع لأنين المشتاقين، العليم بحنين المحبين. هـ. لاَ إِلهَ إِلَّا هُوَ أي: لا يستحق أن يَتَأله ويُعشق إلا هو، يُحْيِي وَيُمِيتُ يُحيي قلوب قوم بمعرفته ومحبته، ويُميت قلوباً بالجهل والبُعد، يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد. ثم وصف أهل الجهل والبُعد بقوله: بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ، وأما أهل المعرفة والقُرب فهم في حضرة محبوبهم يتنعّمون، ومن روح وصاله يتنسّمون. قال القشيري: واللعب يجري على غير ترتيب، تشبيهاً باللعاب الذي يسيل لا على نظام مخصوص، ووصف الكافر باللعب لتردُّده وشكِّه وتحيُّره في عقيدته. هـ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015