وقال الطيبي: هذه الجمل كلها واردة على التعليل المتداخل فكأنه لما قيل: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ قيل:

فلِمَ أُنزل؟ فأجيب: لأن من شأننا التحذير والعقاب، فقيل: لِمَ خص الإنزال في هذه الليلة؟ فقيل: لأنه من الأمور المُحكَمة، ومن شأن هذه الليلة أن يُفرق فيها كل أمر حكيم، فقيل: لِمَ كان من الأمور المُحكَمة؟ فأجيب: لأن ذا الجلال والإكرام أراد إرسال الرحمة للعالمين، ومن حق المنزَل عليه أن يكون حكيماً، لكونه للعالمين نذيراً، أو داعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ.... الآية، فقيل: لماذا رحمهم الرب بذلك؟ فأجيب: لأنه وحده سميع عليم، يعلم جريان أحوال عباده، ويعلم ما يحتاجون إليه دنيا وأخرى. هـ. وهذا معنى قوله: إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ لأقوالهم وحده، الْعَلِيمُ بأحوالهم.

رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما، من جرّه (?) بدل من «ربك» ، ومَن رفعه خبر عن مضمر، أي: هو رب العوالم العلوية والسفلية، وما بينها، إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ أي: من أهل الإيقان، ومعنى الشرط: أنهم كانوا يُقرون بأن للسموات والأرض ربّاً وخالقاً، فإن كان إقرارهم عن علم وإيقان فهو الذي أنزل الكتاب وأرسل الرسل رحمة منه، وإن كانوا مذبذبين فليعلموا ذلك.

لاَ إِلهَ إِلَّا هُوَ، مِن قصر إفرادٍ لا قصر قلبٍ (?) لأن المشركين كانوا يُثبتون الألوهية لله- تعالى- ويشركون معه غيره، فردّ الله عليهم بكونه لا يستحق العبادة غيره، يُحْيِي وَيُمِيتُ، ثم يبعث للجزاء، رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ أي: هو رب الجميع، ثم ردّ أن يكونوا موقنين بقوله: بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ، وإقرارهم غير صادر عن علم وإيقان، بل قول مخلوط بهزؤ ولعب. والله تعالى أعلم.

الإشارة: (حم) ، قال الورتجبي: الحاء: الوحي الخاص إلى محمد، والميم: محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك الوحي الخاص بلا واسطة خبرٌ عن سر في سر، لا يطلع على ذلك- الذي بين المحب والمحبوب- أحد من خلق الله، ألا ترى كيف قال سبحانه: فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ مَآ أَوْحى

(?) ؟ وذلك إشارة إلى وحي السر في السر، وجملتها قسم، أي: بمعنى الوحي السري والمحبوب، والقرآن الظاهر الذي ينبئ عن الأسرار، إنا أنزلناه. هـ. قال القشيري: الحاء تشير إلى حقِّه، والميم إلى محبته، ومعناه: بحقي ومحبتي لعبادي، وكتابي العزيز إليهم، ألا أُعَذِّب أهلَ محبتي بفرقتي. هـ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015