يقول الحق جلّ جلاله: إِنَّ الْمُجْرِمِينَ أي: الراسخين في الإجرام، وهم الكفار، كما ينبئ عنه إتيانه في مقابلة المؤمنين فِي عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدُونَ، لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ لا يخفف عنهم، من قولهم: فترت عنه الحمى:

سكتت. قال القشيري: هم الكفار والمشركون، أهل الخلود، لا يُخفف عنهم، وأما أهل التوحيد فقد يكون قومٌ منهم في النار، ولكن لا يخلدون فيها فيقتضي دليل الخطاب أنه يُفتَّرُ عنهم العذاب، أي: يخفف، وورد في الخبر الصحيح:

«أن الحق يُميتهم إماتة إلى أن يخرجوا منها» والميت لا يحس ولا يألم، وذكر في الآية أنهم مُبْلِسُونَ فيدلّ أن المؤمنين لا إبلاس لهم، وإن كانوا في بلائهم فهُمْ عَلَى وصف رجائهم، ويُعدون أيامهم. هـ.

وحمل ابن عطية الموت على المقاربة، لا الموت حقيقة لأن الآخرة لا موت فيها قال: والحديث أراه على التشبيه، لأنه كالسُبات والركود والهمود، فجعله موتاً. انظره في ثُمَّ لاَ يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى، (?) . وقال عياض في الإكمال:

عن بعض المتكلمين: يحتمل الحقيقة، ويحتمل الغيبة عن الإحساس، كالنوم، وقد سمي النّوم وفاتا لإعدامه الحس. هـ.

وَهُمْ فِيهِ أي: في العذاب مُبْلِسُونَ آيسون من الفرج، متحيّرون، وَما ظَلَمْناهُمْ بذلك، حيث أرسلنا الرسل وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ بتعريض أنفسهم للعذاب الخالد، بمخالفة الرسل، وإيثارهم التقليد على النظر.

وَنادَوْا وهم في النار لمَّا أيسوا من الفتور (?) يا مالِكُ، وهو خازن النار. قيل لابن عباس: إن ابن مسعود يقرأ «يا مَالِ» - ورُويت عن النبي صلى الله عليه وسلم (?) - فقال (?) : «ما أشغلَ أهلَ النَّار عن الترخيم (?) ، قيل: هو رمز إلى ضعفهم وعجزهم عن تمام اللفظ. لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ أي: ليُمِتْنا حتى نستريح، مِن: قضى عليه إذا أماته، والمعنى: سل ربك أن يقضي علينا بالموت، وهذا لا ينافى ما ذكر من إبلاسهم لأنه جُؤار، وتمني الموت لفرط الشدة. قالَ إِنَّكُمْ ماكِثُونَ لابثون في العذاب، لا تتخلصون منه بموت ولا فتور، قال الأعمش: أُنبئت أن بين دعائهم وبين إجابتهم ألف عام (?) ، وفي الحديث: «لو قِيلَ لأهل النار: إنكم ماكثون في النار عدد كل حصاة في الدنيا لفرحوا ولو قيل لأهل الجنة ذلك لحزنوا، ولكن جعل الله لهم الأبد» .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015