يقول الحق جلّ جلاله: فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ مما ترجون وتتنافسون فيه فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا أي: فهو متاعها، تتمتعون به مدة حياتكم، ثم يفنى، وَما عِنْدَ اللَّهِ من ثواب الآخرة خَيْرٌ ذاتاً لخلوص نفعه، وَأَبْقى زماناً لدوام بقائه. لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ، و «ما» الأولى ضُمّنت معنى الشرط، فدخلت في جوابها الفاء، بخلاف الثانية. وعن علىّ رضي الله عنه: أن أبا بكر- رضي الله عنه- تصدَّق بماله كله، فلامه الناس، فنزلت الآية.

ثم قال تعالى: وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ أي: الكبائر من هذا الجنس. وقرأ الأخوان: (كبير الإثم) .

قال ابن عباس: هو الشرك، وَيجتنبون الْفَواحِشَ وهي ما عظم قُبحها، كالزنى ونحوه، وَإِذا ما غَضِبُوا من أمر دنياهم هُمْ يَغْفِرُونَ أي: هم الإخِصَّاء بالغفران في حال الغضب، فيحلمون، ويتجاوزون.

وفي الحديث: «مَن كظم غيظه في الدنيا ردّ اللهُ عنه غضبَه يوم القيامة» (?) .

وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ أتقنوا الصلوات الخمس، وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ أي: ذو شورى، يعني: لا ينفردون برأيهم حتى يجتمعون عليه. وعن الحسن: ما تشاور قوم إلا هُدوا لأرشد أمورهم.

والشورى: مصدر، كالفتيا، بمعنى التشاور. وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ يتصدقون.

وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ الظلم هُمْ يَنْتَصِرُونَ ينتقمون ممن ظلمهم، أي: يقتصرون في الانتصار على ما حُدّ لهم، ولا يعتدون، وكانوا يكرهون أن يذلّوا أنفسهم فيجترئ عليهم الفسّاق، فإذا قدروا عفوا، وإنما حُمدوا على الانتصار لأن من انتصر، وأخذ حقه، ولم يجاوز في ذلك حدّ الله، فلم يسرف في القتل، إن كان وليّ دم، فهو مطيع لله. وقال ابن العربي: قوله: وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ ... الآية، ذكر الانتصار في معرض

طور بواسطة نورين ميديا © 2015