لاستعاذتك، الْعَلِيمُ بنيتك وتعلقك به، أو: بنزغ الشيطان ووسوسته. وهو تعليم لأمته صلى الله عليه وسلم إذ كان شيطانه أسلم على يده.

الإشارة: قال القشيري: قيل: الداعي إلى الله هو الذي يدعو الناس إلى الاكتفاء بالله، وتَرْكِ طلب العِوَض من الله، بل يَكِلُ أمره إلى الله، ويرضى من الله بقسمة الله. ثم قال: وَعَمِلَ صالِحاً كما يدعو الخلق إلى الله يأتي بما يدعوهم إليه، ويقال: هم الذين عرفوا طريقَ الله، ثم دعوا- بعد ما عرفوا الطريقَ إلى الله- الخلقَ إلى الله، وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ لحكمه، الراضين بقضائه وتدبيره. هـ.

وقال الشاذلى رضي الله عنه: عليك برفض الناس جملة، إلا مَن يدلك على الله، بإشارةٍ صادقة، وأعمال ثابتة، لا ينقضها كتاب ولا سُنَّة. هـ. وشروط الداعي إلى الله على طريق المشيخة أربعة: علم صحيح، وذوق صريح، وهمّة عالية، وحالة مرضية، كما قال زروق رضي الله عنه. وقال الشريشي (?) في رائيته:

وللشيخ آياتٌ إذا لَن تَكنّ له ... فما هُو إلا في ليالي الْهَوَى يَسْرِي

إذا لَمْ يكن عِلْم لَديْهِ بِظَاهرٍ ... ولاَ باطنٍ فاضْرِبْ بِهِ لُجَجَ الْبَحْرِ

أما العلم الظاهر فإنما يشترط منه ما يحتاج إليه في خاصة نفسه، ويحتاج إليه المريد في حال سفره إلى ربه، وهو القَدْر الذي لا بد منه، من أحكام الطهارة والصلاة ونحو ذلك، ولا يشترط التبحُّر في علم الشريعة. قال الشيخ أبو يزيد، رضي الله عنه: صحبت أبا علي المسندي، فكنت أُلقنه ما يُقيم به فرضه، وكان يعلمني التوحيد والحقائق صِرفاً.

هـ. ومن المعلوم أن الشيخ ابن عباد لم يُفتح عليه إلا على يد رجل عامي، وقد تحققت تربية كثير من الأولياء، كانوا أميين في علم الظاهر (?) . وأما علم الباطن فالمطلوب فيه التبحُّر التام إذ المقصود بالذات في الشيخ المصطلح عليه عند القوم هو هذا العلم لأن المريد إنما يطلب الشيخَ ليسلكه ويعلمه علم الطريقة والحقيقة فيكون عنده علم تام بالله وصفاته وأسمائه، ذوقاً وكشفاً، وعلم بآفات الطريق، ومكائد النفس، والشيطان، وطرق المواجيد، وتحقيق المقامات، كما هو مقرر في فنه، وهذا الداعي لا تخلو الأرض منه على الكمال، خلافاً لمَن حكم بانقطاعه. والله تعالى أعلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015