معرفة الله، وَعَمِلَ صالِحاً فيما بينه وبين ربه، بأن عمل أولاً بما دعا إليه، وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ تفاخراً بالإسلام، وابتهاجاً بأنه منهم، واتخاذ الإسلام ديناً، من قولهم: هذا قول فلان، أي: مذهبه لأنه يتكلم بذلك، أو: يقوله تواضعاً، أي: من جملة عامة المسلمين وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ، هذا بيان محاسن الأعمال الجارية بين العباد، إثر بيان محاسن الأعمال الجارية بين العبد وبين الرب- عزّ وجل- ترغيباً للدعاة إلى الله في الصبر على إذاية الخلق، لأن كل مَن يأمر بالحق يُؤذَى، فأُمروا بمقابلة الإساءة بالإحسان، أي: لا تستوي الخصلة الحسنة والخصلة السيئة، و (لا) : مَزيدة، لتأكيد النفي. ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ أي: ادفع السيئة التي اعترضتك من بعض أعدائك بالتي هي أحسن منها، وهي: أن تُحسن إليه في مقابلة إساءته، فالحسنة والسيئة متفاوتتان في أنفسهما، فخذ بالحسنة التي هي أحسن من أختها، وادفع بها السيئة، كما لو أساء إليك رجل، فالحسنة: أن تعفو عنه، والتي هي أحسن: أن تُحسن إليه مكان إساءته، مثل أن يذمك فتمدحه، ويحرمك فتعطيه، ويقطعك فتصله. وعن ابن عباس رضي الله عنه: التي هي أحسن:

الصبر عند الغضب، والحلم عند الجهل، والعفو عن الإساءة. (?) هـ.

فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ أي: فإنك إن فعلت ذلك انقلب عدوك المشاقق مثل وليك الحميم الشفيق، مصافاة لك، وهذا صعب على النفوس، ولذلك قال:

وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا أي: ما يلقى هذه الخصلة التي في مقابلة الإساءة بالإحسان إلا أهل الصبر، وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ من الله- تعالى- وسبق عنايته بكمال النفس وتهذيبها. وعن ابن عباس رضي الله عنه: الحظ العظيم: الثواب، وعن الحسن: والله ما عظم حظ دون الجنة. وقيل: نزلت في أبي سفيان بن حرب، كان عدوّاً مؤذيا للنبى صلى الله عليه وسلم فصار وليّاً مصافياً له (?) ، وبقيت عامة.

وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ، النزغ: شِبه النخس، والشيطان ينزغ الإنسان، كأنه ينخسه، ببعثه على ما لا ينبغي، وجعل النزغ نازغاً مجاز، كجدّ جدّه، والمعنى: وإن طرقك الشيطان على ترك ما وُصِّيْتَ به من الدفع بالتي هي أحسن، فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ من شرِّه، وامضِ على [حلمك] (?) ولا تُطعه، إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015