وقوله تعالى: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا: جملة مستأنفة، مسوقة لبيان سوء العذاب، والنار: خبر عن محذوف، كأن قائلاً قال: ما سوء العذاب؟ فقيل: هو النار، أو: بدل من «سوء» ، و «النار» : مبتدأ، و «يُعرضون» :
خبر، وعَرْضهم عليها: إحراقهم، يقال: عرض الإِمَام الأسارى على السيف: إذا قتلهم به. وذلك لأرواحهم، كما روى ابنُ مسعود: أن أرواحهم في أجواف طير سُود، تُعرض على النار- أي: تحرق بها- بكرة وعشياً، إلى يوم القيامة (?) . وتخصيص الوقتين إما لأنهم يُعذّبون في غيرهما بجنسٍ آخر، أو: يخفف عنهم، أو: يكون غدوّاً وعشياً عبارة عن الدوام.
هذا في الدنيا في عالم البرزخ، وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقال للخزنة: أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ، من الإدخال الرباعي، ومَن قرأ: ادخُلوا (?) ، ثلاثيّاً، فعلى حذف النداء، أي: ادخلوا يا آل فرعون أَشَدَّ الْعَذابِ أي: عذاب جهنم، فإنه أشدّ مما كانوا فيه. أو: أشد عذاب النار فإنّ عذابها ألوان، بعضه أشد من بعض، وهذه الآية دليل على عذاب القبر في البرزخ، وهو ثابت في الأحاديث الصحاح.
الإشارة: النجاة التي دعاهم إليها: هي الزهد في الدنيا، وفي التمتُّع بها مع الاشتغال بالله. والنار التي دعوه إليها: هي الاشتغال بمتعة الدنيا مع الغفلة عن الله. لا جَرَمَ أنَّ ما دعوه إليه لا منفعة له في الدارين، بل ضرره أقربُ من نفعه. وقوله تعالى: وَأَنَّ مَرَدَّنا إِلَى اللَّهِ قال الورتجبي: [مرد المحبين] (?) إلى مشاهدته، ومرد العارفين إلى الوصلة، ومرد الكل إلى قضيات الأزلية.
قال حمدون القصّار: لا أعلم في القرآن أرجى من قوله: وَأَنَّ مَرَدَّنا إِلَى اللَّهِ، فقد حكي عن بعض السلف أنه قال: الكريمُ إذا قدر عفا، وإنما يكون مرد العبد إلى ربه إذا أتاه على أمد الإفلاس والفقر، لا أن يرى لنفسه مقاماً في إحدى الدارين، وهو أن يكون في الدنيا خاشعاً لمَن يذله، ولا يلتفت إليه، هارباً ممن يكرمه ويبره، ويكون في الآخرة طالباً لفضل الله، مشفقاً من حسناته أكثر من إشفاق الكفار عن كفرهم. هـ. قلت: هذا مقام العباد والزهّاد، وأما العارفون فلا يرون إلا الله، فيلقون الله بالله، غائبون عن إحسانهم وإساءتهم.
وقوله تعالى: فَسَتَذْكُرُونَ ما أَقُولُ لَكُمْ هكذا يقول الواعظ إن لم ينفع وعظه، ويُفوض أمره وأمرهم إلى الله فإنَّ الله بصيرٌ بهم. وقال بعضهم: وأُفوضُ أمري في الدنيا والآخرة إلى الله، فهو بصير بعجزي وضعفي عن