داخل في كلام هو بيان للمجمل وتفسير له، بخلاف الثالث. ومدار التعجُّب الذي يلوح به الاستفهام هو دعوتهم إياه إلى النار، لا دعوته إياهم إلى النجاة، كأنه قيل: أخبروني كيف هذا الحال أدعوكم إلى الخير وتدعونني إلى الشر؟
تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ هو بدل من تَدْعُونَنِي الأول، وفيه تعليل، والدعاء يتعدّى باللام وبإلى، كالهداية، وَأُشْرِكَ بِهِ وتدعونني لأُشرك به ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ أي: بربوبيته، والمراد بنفي العلم: نفي المعلوم، كأنه قال: وأُشرك به شيئاً ليس بإله، وما ليس بإله كيف يصحّ أن يعلم إلهاً؟ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ أي: إلى الله الجامع لصفات الألوهية، من كمال القدرة والغلبة، وما يتوقف عليه من العلم والإرادة إذ بالقدرة يتمكن من المجازاة بالتعذيب، أو الإحسان بالغفران.
لا جَرَمَ لا شك، أو: حقاً، وقال البصريون: «لا» نفي رد لِما دعوه إليه، و «جَرَم» : فعل، بمعنى: حقّ، و «أن» مع «ما» في حيزه فاعل، أي: حق ووجب أَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيا وَلا فِي الْآخِرَةِ أي: وجب عدم دعوة آلهتكم إلى عبادتها، والظاهر: أن «جَرَمَ» من الجرم، وأراد به هنا الكذب، أي: لا كذب في أن ما تدعونني إليه ليس له دعوة.. الخ، فقد يضمن الفعل معنى المصدر، وتدخل «لا» النافية للجنس عليه، والمعنى: أن ما تدعونني إليه ليس له دعوة إلى نفسه قط، ومن حق المعبود بالحق أن يدعوَ العباد إلى طاعته، وما تدعونني إليه لا يدعو هو إلى عبادته، ولا يدّعي الربوبية، أو: معناه: ليس له استجابة دعوة في الدنيا والآخرة، أو: دعوة مستجابة. جعلت الدعوة التي لا استجابة لها، ولا منفعة، كلا دعوة. وَأَنَّ مَرَدَّنا إِلَى اللَّهِ أي: رجوعنا إليه بالموت، وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ في الضلال والطغيان، كالإشراك وسفك الدماء، هُمْ أَصْحابُ النَّارِ أي: مُلاَزِمُوها.
فَسَتَذْكُرُونَ ما أَقُولُ لَكُمْ من النصائح عند نزول العذاب، وَأُفَوِّضُ أُسلّم أَمْرِي إِلَى اللَّهِ، قاله لَمّا توعّدوه. إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ فيَحْرُسُ مَن يلوذ به من المكاره.
فَوَقاهُ اللَّهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا شدائد مكرهم، وما هَمُّوا به من إلحاق أنواع العذاب لِمَن خالفه، وقيل: إنه خرج من عندهم هارباً إلى جبل، فبعث قريباً من ألفٍ في طلبه، فمنهم مَن أكلته السباع، ومَنْ رجع منهم صَلَبه فرعونُ. وقيل: لَمَّا وصلوا إليه ليأخذوه، وجدوه يُصلّي، والوحوش حوله، فرجعوا رُعباً، فقتلهم. وقال مقاتل: لمّا قال المؤمن هذه الكلمات، قصدوا قتله، فوقاه الله من مكرهم، أي: بعد تفويض أمره إلى الله، فقيل: إنه نجا مع موسى في البحر. هـ. وَحاقَ نزل بِآلِ فِرْعَوْنَ أي: بفرعون وقومه. وعدم التصريح به، للاستغناء بذكرهم عن ذكره، ضرورة أنه أولى منهم بذلك، وسُوءُ الْعَذابِ الغرق والقتل والنار.