غافِرِ الذَّنْبِ أي: ساتر ذنب المؤمنين وَقابِلِ التَّوْبِ وقابل توبةَ الراجعين شَدِيدِ الْعِقابِ للمخالفين، ذِي الطَّوْلِ على العارفين، أي: الفضل التام على العارفين، أو: ذي الغنى عن الكل. وعن ابن عباس: (غافر الذنب، وقابل التوب، لمَن قال: «لا إله إلا الله» شديد العقاب لمن لم يقل لا إله إلا الله) (?) .
والتَّوب: مصدر، كالتوبة. ويقال: تاب وثاب وآب، أي: رجع، فإن قلتَ: كيف اختلفت هذه الصفات تعريفاً وتنكيراً، والموصوف معرفة، وهو الله؟ قلتُ: أما غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ فمعرفتان لأنه لم يُرِدْ بهما حدوث الفعلين حتّى يكون في تقدير الانفصال، فتكون إضافتهما غير حقيقة، وإنما أُريد ثُبوت ذلك ودوامه. وأما شَدِيدِ الْعِقابِ فهو في تقدير: شديد عقابُه، فيكون نكرة، فقيل: هو بدل، وقيل: كلّها أبدال غير أوصاف. وإدخال الواو في قابِلِ التَّوْبِ لنكتة، وهي: إفادة الجمع للمذنب التائب بين رحمتين: بين قبول توبته، فتُكتب له طاعة، وبين جعلها ماحية للذنوب، كأن لم يُذنب، كأنه قال: جامع المغفرة والقبول. وفي توحيد صفة العذاب مغمورة بصفات النعمة دليل سبقها ورجحانها، «أنَّ رَحمَتِي سبقَت غَضَبي» (?) .
قال القشيري: سُنَّةُ اللهِ تعالى: إذا خَوَّف العبادَ باسْمٍ، أو لفظٍ، تدارَكَ قلوبَهم بأن يُبشِّرهم باسْمَين أو وَصْفيْن. هـ. رُوي: أن عمر رضي الله عنه افتقد رجلاً ذا بأسٍ شديد، من أهل الشام، فقيل له: تابَع هذا الشراب، فقال لكاتبه: اكتب: من عمر إلى فلان، سلام الله عليك، وأنا أحمد إليك اللهَ، الذي لاَ إله إِلاَّ هُوَ، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ حم ... إلى قوله: إِلَيْهِ الْمَصِيرُ وختم الكتاب، وقال لرسوله: لا تدفعه إليه حتى تجده صاحيا، ثم أمر مَن عنده بالدعاء له بالتوبة، فلما أتته الصحيفة، جعل يقرؤها، ويقول: قد وعدني الله أن يغفر لي، وحذّرني من عقابه، فلم يبرح يردّدها حتى بكى. ثمّ نزع، فأحسن النزوع، وحسنت توبته. فلما بلغ عمر رضي الله عنه أمرُه، قال: «هكذا فاصنعوا، إذا رأيتم أخاكم قد زلّ فسدّدوه، وادعو له الله أن يتوب عليه، ولا تكونوا أعواناً للشيطان عليه» (?) أي:
بالدعاء عليه هـ.
لاَ إِلهَ إِلَّا هُوَ أي: فيجب الإقبال الكلي عليه، وهو: إما استئناف، أو: صفة لذي الطَّوْل، إِلَيْهِ الْمَصِيرُ أي: المرجع، فيُجازي كُلاًّ من العاصي والمطيع. قال القشيري: إذا كان إلى الله المصير فقد طاب المسير.
ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللَّهِ أي: ما يُخاصم فيها بالطعن فيها، واستعمال المقدمات الباطلة لإدحاض الحق المشتملة عليه، إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا، وأما الذين آمنوا فلا يخطر ببالهم شائبة شُبهة منها، فضلاً عن الطعن فيها،