يقول الحق جلّ جلاله: اللَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ينشئهم، ثُمَّ يُعِيدُهُ يحييهم بعد الموت، ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ للجزاء بالثواب والعقاب. والالتفات إلى الخطاب للمبالغة في إثباته. وقرأ أبو عمرو وسهل وروح:

بالغيب، على الأصل. وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ: ييأس ويتحير الْمُجْرِمُونَ المشركون يُقال: ناظرته فأبلس، أي: أُفْحِمَ وأَيِسَ من الحجة، أو: يسكتون متحيرين، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكائِهِمْ التي عبدوها من دون الله شُفَعاءُ يشفعون لهم ويجيرونهم من النار، وَكانُوا بِشُرَكائِهِمْ كافِرِينَ جاحدين لها، متبرئين من عبادتها، حين أيسوا من نفعها. أو: كانوا في الدنيا كافرين بسبب عبادتها.

وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ أي: المسلمون والكافرون، بدليل قوله: فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ، أي: بستان ذي أزهار وأنهار، وهي الجنة. والتنكير لإبهام أمرها وتفخيمه، يُحْبَرُونَ: يُسرّون، يقال: حبره، إذا سرّه سروراً تهلّل به وجهه، وظهر فيه أثره.

ووجوه المسار كثيرة، فقيل: يُكرمون، وقيل: يُحلّون. وقيل: هو السماع في الجنة. قاله غير واحد. قال أبو الدرداء: كان عليه الصلاة والسلام يذكَّر الناس بنعيم الجنان فقيل: يا رسول الله هل في الجنة من سماع؟ قال:

«نعم، إنَّ فِي الجنْة لنَهَراً حَافَتاهُ الأبْكَار مِنْ كُل بَيْضَاءَ خَمْصانة، يَتَغَنيْنَ بأصْواتٍ لَمْ تَسْمَعِ الخلائِقُ بمِثْلها قَطُّ، فَذلك أفْضَلُ نعيم أهل الجنّة.» قال الراوي: فسألت أبا الدرداء: بم يتغنين؟ قال: بالتسبيح إن شاء الله (?) .

والخمصانة: المرهفة الأعلى، الضخمة الأسفل. هـ. انظر الثعلبي. وذكر غيره أن هذا السماع يكون في نُزْهَةٍ تكون لأهل الجنة على شاطئ هذا النهر، وقد ذكرناها في شرحنا الكبير على الفاتحة.

وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ بالبعث فَأُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ:

مقيمون، لا يغيبون عنه. عائذاً بالله من غضبه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015