في البُعد من الناس أُنس. والضفدع تقول: سبحان ربي القدوس. والبازي (?) يقول: سبحان ربي وبحمده، المذكور في كل مكان. والدراج (?) يقول: الرحمن عَلَى العرش استوى. والقنب (?) يقول: إلهي العن مبغض آل محمد، عليه الصلاة والسلام (?) .
وقيل: إن سليمان كان يفهم صوت الحيوانات كلها، وإنما خصّ الطير لأنه معظم جنده.
ثم قال: وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ أي: ما نحتاج إليه. والمراد به كثرة ما أُوتي، كما تقول: فلان يقصده كل أحد، ويعلم كل شيء، كناية عن كثرة علمه. إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ والإحسان من الله تعالى الْمُبِينُ أي:
الواضح، الذي لا يخفى على أحد، أو: إن هذا الفضل الذي أوتيته هو الفضل المبين. على أنه عليه السلام قاله على سبيل الشكر والمحمدة. كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلاَ فَخْرَ» أي: أقول هذا القول شكراً، لا فخراً، والنون في (عُلمنا) و (أُوتينا) نون الواحد المطاع، وكان حينئذٍ ملكاً، فكلم أهل طاعته على الحالة التي كان عليها، وليس فيه تكبر ولا فخر لعصمة الأنبياء من ذلك. والله تعالى أعلم.
الإشارة: أشرف العلوم وأعظمها وأعزها العلم بالله، على سبيل الذوق والكشف والوجدان، ولا يكون إلا من طريق التربية على يد شيخ كامل لأنه إذا حصل هذا العلم أغنى عن العلوم كلها، وصغرت في جانبه، حتى إن صاحب العلم بالله يعد الاشتغال بطلب علم الرسوم بطالة وانحطاطاً، ومَثَله كمن عنده قناطير من الفضة، ثم وجد جبلاً من الإكسير، فهل يلتفت صاحبُ الإكسير إلى الفضة أو الفلوس؟ لأن من كانت أوقاته كلها مشاهدة ونظراً لوجه الملك، كيف يلتفت إلى شيء سواه. ولذلك قال الجنيد رضي الله عنه: لو نعلم تحت أديمِ السماء أشرف من هذا العلم، الذي نتكلم فيه مع أصحابنا، لسعيت إليه. هـ. وقال شيخ شيوخنا، سيدي عبد الرحمن العارف: كنتُ أعرف أربعة عشر علما، فلما أدركت علم الحقيقة، سرطت ذلك كله، ولم يبق إلا التفسير والحديث، نتكلم فيه مع أصحابنا. أو قريباً من هذا الكلام. وقال شيخ شيوخنا، سيدي عبد الرحمن المجذوب رضي الله عنه:
أقارئين علم التوحيد ... هنا البحور إلي تنبي
هذا مقام أهل التجريد ... الواقفين مَع ربي
وهذا أمر بيِّن عند أهل هذا الفن، وقال الورتجبي: العلم علمان: علم البيان وعلم العيان. علم البيان ما يكون بالوسائط الشرعية، وعلم العيان مستفاد من الكشوفات الغيبية. ثم قال: فالعلم البياني معروف بين العموم، والعلم