وعلم أهل الباطن عياني، ذوقي، وليس الخبر كالعيان، مع ما فاقوهم به من المجاهدة، والمكابدة، ومقاساة مخالفة النفوس، وقطع المقامات، حتى ماتوا موتات، ثم حييت أرواحهم، فشاهدوا من الأنوار والأسرار ما تعجز عنه العقول، وتكل عنه النقول.
ثم قال تعالى: وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ، وَرِثَ منه النبوة والملك دون سائر بنيه، وكانوا تسعة عشر.
ووراثته للنبوة: انتقالها إليه بعد أبيه، وإلا فالنبوة لا تورث. وَقالَ يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ تشهيراً لنعمة الله، واعترافاً بمكانها، ودعاء للناس إلى تصديقه بذكر المعجزة التي هي علم منطق الطير.
والمنطق: كل ما يصوَّت به من المفرد والمؤلّف، والمفيد وغير المفيد. وكان سليمان عليه السلام يفهم عنها كما يفهم بعضها بعضاً. يُحكى أنه مرَّ على بلبل على شجرة، يحرك رأسه، ويميل ذنبه، فقال لأصحابه: أتدرون ما يقول؟ قالوا: الله ونبيه أعلم، قال يقول: إذا أكلت نصف تمرة فعلى الدنيا العَفَاء. وصاحت فاختة (?) ، فأخبر أنها تقول: ليت ذا الخلق لم يُخلقوا، وصاح طاووس، فقال: يقول: كما تدين تدان، وصاح هُدهد، فقال: يقول: من لا يرحم لا يُرحم، وصاح صُّرَد (?) - وهو طائر ضخم الرأس- فقال: يقول: استغفروا الله يا مذنبين، وصاح طيطوى (?) ، فقال: يقول: كل حي ميت، وكل جديد بال. وصاح خُطَّاف (?) ، فقال: يقول: قَدِّموا خيراً تجدوه.
وصاح قُمْرِيّ (?) ، فأخبر أنه يقول: سبحان ربي الأعلى. وصاحت رخمة (?) ، فقال: إنها تقول سبحان ربي الأعلى ملء أرضه وسمائه.
وفي رواية: هدرت حمامة، فقال: إنها تقول: سبحان ربي الأعلى- مثل الرخمة- وقال: الغراب يدعو على العشَّار. والحِدَأة تقول: كل شيء هالك إلا وجهه. والقطاة (?) تقول: من سكت سَلِمَ، والببغاء تقول: ويل لمن الدنيا همه، والديك يقول: اذكروا الله يا غافلين، والنسر يقول: يا ابن آدم عش ما شئت، آخرك الموت. والعقاب (?) يقول: