وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا أي: ردوا على المشركين، الذين هجوا النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين. وروي أنه لمّا نزلت الآية: جاء حسان، وكعب بن مالك، وعبد الله بن رواحة، يبكون، فقالوا: يا رسول الله: أنزل الله تعالى هذه الآية، وهو يعلم أنا شعراء؟ فقال: «اقرءوا ما بعدها: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا.. هم أنتم وانتصروا، هم أنتم» » .
ومرَّ عمر رضي الله عنه وحسان رضي الله عنه ينشد الشعر في المسجد، فَلَحَظَ إليه، فقال: كنتُ أُنْشِدُ فيه، وفيه من هو خير منك، ثم التفت إلى أبي هريرة، فقال: أَنْشُدُكَ بالله، أسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «أجبْ عني، اللهم أيِّدْه بروح القدس» قال:
اللهم نعم (?) .
وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ أي مرجع يرجعون إليه، وهو تهديد شديد، ووعيد أكيد لما في سَيَعْلَمُ من تهويل متعلقة، وفي الَّذِينَ ظَلَمُوا من الإطلاق والتعميم. وفي أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ من الإيهام والتهويل. وتلاها أبو بكر لعمر رضي الله عنه حين عهد إليه، وكان السلف يتواعظون بها. والمعنى: سيعلم أهل الظلم ما تكون عاقبتهم، حين يقدمون عليَّ، وأيَّ منقلب ينقلبون، حين يفدون إليّ. اللهم ثبت أقدامنا على المنهاج القويم، حتى نلقاك يا أرحم الراحمين.
الإشارة: هل أنبئكم على قَلْبِ مَنْ تَنَزَّلَتْ الشياطينُ، وسكنت فيه، تنزل على قلب كل أفاك أثيم، خارب من النور، محشو بالوسواس والخواطر، يلقون السمع إلى هرج الدنيا وأخبارها، وهو سبب فتنتها فإن القلب إذا غاب عن أخبار الدنيا وأهلها، سكن فيه النور وتأنس بالله، وإذا سكن إلى أخبار الدنيا وأهلها سكنت فيه الظلمة، وتأنس بالخلق، وغاب عن الحق. ولذلك قيل: ينبغي للمؤمن أن يكون كالفكرون إذا كان وحده انبسط، وإذا رأى أحداً أدخل رأسه معه. وأكثر ما يسمع من هرج الدنيا كذب، وإليه الإشارة بقوله: وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ، ومن جملة ما يفسد القلب: تولهه بالشعر، وفي الحديث: «لأن يمتلئ جوفُ أحدِكُم قَيْحَاً خيرٌ له من أن يمتلئ شِعْراً» (?) . أو كما قال صلى الله عليه وسلم، إلا من كان شعره في توحيد الله، أو في الطريق، كالزهد في الدنيا، والترهيب من الركون إليها، والزجر عن الاغترار بزخارفها الغرارة، والافتنان بملاذها الفانية، وغير ذلك، أو في مدح النبي صلى الله عليه وسلم، والمشايخ الموصلين إليه تعالى، بشرط أن يكون الغالب عليه ذكر الله.