أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ أي: الشعراء فِي كُلِّ وادٍ من الكلام يَهِيمُونَ، أو: في كل فن من الإفك يتحدثون، أو: في كل لغو وباطل يخوضون. والهائم: الذاهب على وجهه لا مقصد له، وهو تمثيل لذهابهم في كل شِعْبٍ من القول، وهو استشهاد على أن الشعراء إنما يتبعهم الغاوون وتقرير له، والخطاب لكل من تتأتى منه الرؤية، للقصد إلى أن حالهم من الجلاء والظهور بحيث لا تختص به رؤية راء دون الآخر، أي: ألم تر أن الشعراء في كل وادٍ من أودية القيل والقال، وفي كل شِعْبٍ من الوهم والخيال وفي كل مسلك من مسالك الغي والضلال، يهيمون.
وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ من الأفاعيل، غير مبالين بما يستتبعه من اللوم، فكيف يتوهم أن ينتظم في سلكهم من تنزهت ساحته عن أن تحوم حوله شائبةُ الاتصافِ بشيء من الأمور المذكورة، واتصف بمحاسن الصفات الجليلة، والأخلاق الحميدة، مستقراً على المنهاج القويم، مستمراً على الصراط المستقيم، ناطقاً بكل أمر رشيد، داعياً إِلى صراط العزيز الحميد، مؤيداً بمعجزة قاهرة، وآيات ظاهرة، مشحونة بفنون من الحِكَم الباهرة، وصنوف المعارف الزاخرة، مستقل بنظم رائق، أعجز كل مِنْطِيقٍ ماهر، وبكت كل مُفْلِقٍ ساحر.
هذا وقد قيل في تنزيهه صلى الله عليه وسلم عن أن يكون من الشعراء: أن أتباع الشعراء الغاوون، وأتباع محمد صلى الله عليه وسلم ليسوا كذلك، ولا ريب في أنَّ تعليل عدم كونه صلى الله عليه وسلم منهم بكون أتباعه صلى الله عليه وسلم غير غاوين مما لا يليق بشأنه العلي. هـ.
قاله أبو السعود.
ثم استثنى الشعراء المؤمنين، فقال: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كعبد الله بن رواحة، وحسّان، وكعب بن زهير، وكعب بن مالك. وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً أي: كان ذكر الله وتلاوة القرآن أغلب عليهم من الشعر، وإذا قالوا الشعر قالوا في توحيد الله والثناء عليه، والحكمة والموعظة، والزهد والأدب، ومدح الرسول صلى الله عليه وسلم والأولياء.
وأحق الخلق بالهجاء من كَذَّبَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وهجاه. وعن كعب بن مالك: أن رسول صلى الله عليه وسلم قال: «اهجهم، فو الذي نَفْسِي بِيَدِهِ لَهُو أشدُّ عَلَيْهِمْ مِن رَشْقِ النَّبْلِ» (?) ، وكان يقول لحسّان: «قل، وروح القدس معك» (?) .