قال القشيري: هو استفهام بمعنى الأمر، فمن قارنه التوفيقُ صبر وشكر، ومن قارنه الخذلان أبى وكفر. هـ.

وقيل: هو الأمر بالإعراض عما جعل في نظره فتنة، كما قال: وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ (?) ، فينبغي ألا ينظر بعض إلى بعض، إلا لمن دونه، كما ورد في الخبر (?) . هـ.

وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً عالماً بالحكمة فيما يَبْتلِي به، أو: بمن يصبر ويجزع. وقال أبو السعود: هو وعد كريم لرسول الله صلى الله عليه وسلّم بالأجر الجزيل لصبره الجميل، مع مزيد تشريف له- عليه الصلاة والسلام- بالالتفات إلى إسم الرب مضافا إلى ضميره صلى الله عليه وسلم. هـ.

الإشارة: الطريق الجادة التي درج عليها الأنبياء والأولياء هي سلوك طريق الفقر والتخفيف من الدنيا، إلا قدر الحاجة، بعد التوقف والاضطرار، ابتداءً وانتهاء، حتى تحققوا بالله. ومنهم من أتته الدنيا بعد التمكين فلم تضره. والحالة الشريفة: ما سلكها نبينا صلى الله عليه وسلم وهو التخفيف منها وإخراجها من اليد، حتى مات ودرعه مرهونة عند يهودي، في وسق من شعير. وعادته تعالى، فيمن سلك هذا المسلك، أن يُديل الغنى في عقبه، فيكونون أغنياء في الغالب. والله تعالى أعلم.

وما وَصَف به الحق تعالى رسله من كونهم يأكلون الطعام، ويمشون في الأسواق، هو وصف للأولياء أيضا- رضى الله عنهم- فيمشون في الأسواق للعبرة والاستبصار في تجليات الواحد القهار، فحيث يحصل الزحام يعظم الشهود للملك العلام، وفي ذلك يقول الششتري رضي الله عنه: عين الزحام هو الوصول لِحَيِّنا.

وكان شيخ أشياخنا- سيدي علي العمراني- يقول لأصحابه: مَن أراد أن يذوق فليمش إلى السوق. هـ.

فينبغي للمريد أن يربي فكرته في العزلة والخلطة والخلوة والجلوة، ولا يتقصر على تربيتها في العزلة فقط لئلا يتغير حاله في حال الخلطة فيبقى ضعيفاً. فالعزلة تكون ابتداء، قبل دخول بلاد المعاني، فإذا دخل بلاد المعاني فليختر الخلطة على العزلة، حتى يستوي قلبه في الخلوة والجلوة، فالعزلة عن الناس عزلة الضعفاء والعزلة بين الناس عزلة الأقوياء. فالمشي في الأسواق والأكل فيها من سنة الفقراء، أهل الأحوال مجاهدةً لنفوسهم، وترييضاً لها على إسقاط مراقبة الخلق، والخوف منهم. وقد ورد أن الله تعالى أمر بذلك نبيه صلى الله عليه وسلم تشريفاً لأهل الأحوال، كما ذكره صاحب اللباب عند قوله: مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ ...

طور بواسطة نورين ميديا © 2015