بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
سُورَةٌ أَنْزَلْناها وَفَرَضْناها وَأَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (?) الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2)
قلت: «سورة» : خبر، أي: هذه سورة، وأشير لها، مع عدم تقدم ذكره لأنها في حكم الحاضر المشاهدَ. وقرئ بالنصب على الاشتغال، وجملة: (أنزلناها) ، وما عطف عليه: صفة لسورة، مؤكد لما أفاده التنكير من الفخامة.
و (الزانية) : مبتدأ، والخبر: (فاجلدوا) ، ودخلت الفاء لتضمن المبتدأ معنى الشرط إذ اللام موصولة، أي: والتي زنت والذي زنى فاجلدوا، هذا مذهب المبرد وغيره، والاختيار عند سيبويه: الرفع على الابتداء، والخبر: محذوف، أي: فيما فرض عليكم، أو: مما يُتلى عليكم: حكم الزانية والزاني، وقدَّم الزانية لأنها الأصل في الفعل، والداعية فيها أوفر، ولولا تمكينها منه لم يقع. وقيل: لمّا كان وجود الزنى في النساء أكثر، بخلاف السرقة، ففي الرجال أكثر، قَدَّم الحق تعالى الأكثر فيهما.
يقول الحق جلّ جلاله: هذه سُورَةٌ، وهي الجامعة لآيات، بفاتحة لها وخاتمة، مشتقة من سور البلد.
من نعت تلك السورة: أَنْزَلْناها عليك، وَفَرَضْناها أي: فرضنا الأحكام التي فيها. وأصل الفرض: القطع، أي: جعلناها مقطوعاً بها قطعَ إيجاب. وقرأ المكي وأبو عمرو: بالتشديد للمبالغة في الإيجاب وتوكيده، أو: لأن فيها فرائض شتى، أو: لكثرة المفروض عليهم من السلف ومن بعدهم.
وَأَنْزَلْنا فِيها أي: في تضاعيفها آياتٍ بَيِّناتٍ أي: دلائل واضحات لوضوح دلالتها على أحكامها لا على معانيها فإنها كسائر السور. وتكرير (أنزلنا) ، مع أن جميع الآيات عين السورة لاستقلالها بعنوان رائق دَاع إلى تخصيص إنزالها بالذكر إبانة لخطرها، ورفعاً لقدرها، كقوله تعالى: وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ «1» ، بعد قوله: نَجَّيْنا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ. لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ أي: لكي تتعظوا فتعملوا بموجبها عند وقوع الحوادث الداعية إلى إجراء أحكامها. وفيه إيذان بأن حقها أن تكون على بالٍ منهم، بحيث متى مست الحاجة إليها استحضروها.