[المجلد الرابع]
مدنية. ووجه المناسبة لما قبلها: أن إقامة الحدود من أثر الرحمة التي ختم بها ما قبلها لأن بإقامة الحدود يقع الزجر عن المعاصي، فتنزل الرحمة والعافية. قال أبو هريرة رضي الله عنه: (إقامة حدّ بأرض خير لأهلها من مطر أربعين ليلة) (?) .
وقيل: لمّا ذكر تعالى فى مشركى قريش: وَلَهُمْ أَعْمالٌ مِنْ دُونِ ذلِكَ أي: أعمال سيئة هُمْ لَها عامِلُونَ (?) ، ثم استطرد بعد ذلك فى أحوالهم، كان من أعمالهم السيئة: الزنا، وكان لهم جوار بغايا عليهن، ويأكلون من كسبهن من الزنا، فأنزل الله هذه السورة تغليظا فى أمر الزنا. هـ. وعن عائشة- رضي الله عنها- قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تنزلوا النساء الغرف، ولا تعلموهنّ الكتابة، وعلّموهنّ سورة النور والغزل» (?) أي: أحكام السورة لينزجرن عن الزنا.
وسميت سورة النور لقوله: اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ (?) ، وحقيقة النور: ما تنكشف به حقيقة الأشياء على ما هي عليه، فالنور الظاهر الحسى تنكشف به الأشياء الحسية، والنور الباطن تنكشف به الأشياء الباطنية، كمعرفة الذات الأقدس، ومَا يُقرِّبُ إليهَا من آداب العبودية. ومرجعه إلى ثلاثة: نور معرفة أحكام المعاملة، ونور اليقين، ونور المكاشفة. فالأول: نور الإسلام، وهو كنور النجوم، والثاني: نور الإيمان، وهو كنور القمر، والثالث:
نور الإحسان، وهو كنور الشمس. ويسمى الأولان: نور التوجه، والثالث: نور المواجهة. وتتفاوت هذه الأنوار على قدر التوجه والتفرغ من شواغل الحس، فإذا أشرقت شمس العرفان لم يبقَ لنور النجوم ولا للقمر أثر لمحو وجود الأكوان فى محل العيان، فصار الغيب شهادة، والتصديق معاينة، فانطوى الإيمان فى وجود العيان.
ولمّا كانت التقوى أساس الطريق لهذا المقام، الذي هو نور الإيمان، تكلم الحق تعالى فى أول السورة على أهم ما يتقى، وهو الزنا وما يؤدى إليه من النظر والاطلاع على عورات النساء، فقال: