ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يُخْزِيهِمْ: يذلهم ويعذبهم بالنار، وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ، أضافها إلى نفسه استهزاء، أو حكاية لإضافتهم إياها إليه في الدنيا زيادةً في توبيخهم، أي: أين الشركاء الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ:
تعادون المؤمنين في شأنهم، أو تشاقونني في شأنهم فإن مُشاقة المؤمنين كمشاقته، أو تحاربون وتخارجون، فتكونون في شق والحق في شق، قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وهم الأنبياء والعلماء الذين كانوا يدعونهم إلى التوحيد، فيشاققونهم ويتكبرون عليهم، أو الملائكة: إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ: الذلة والعذاب عَلَى الْكافِرِينَ. وفائدة قولهم ذلك لهم: إظهارُ الشماتة وزيادة الإهانة، وحكايته، ليكون لطفاً لمن سمعه من المؤمنين، فيزيد حذرًا وحزمًا في الطاعة، وقال الواحدي: إن الخزي اليوم والسوء عليهم لا علينا. هـ. أي: فيقولونه اعترافًا واستبشارًا بإنجاز ما وعدهم الله، كما قالوا: الحمد الله الذي هدانا لهذه الهداية.
ثم وصفهم بقوله: الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ تَقبِضُ أرواحهم ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ بأن عرضوها للعذاب المخلد، فَأَلْقَوُا السَّلَمَ أي: استسلموا، وألقوا القياد من أنفسهم، حين عاينوا الموت، قائلين: ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ: من كفر وعدوان، يحتمل أن يكون قولهم ذلك قصدوا به الكذب اعتصامًا به، كقولهم: وَاللَّهِ رَبِّنا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ (?) ، أو يكونوا أخبروا على حساب اعتقادهم في أنفسهم، فلم يقصدوا الكذب، ولكنه كذب في نفس الأمر. قال الحسن: هي مواطن، فمرة يُقرون على أنفسهم، كما قال تعالى: شَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ
(?) ، ومرة يجحدون كهذه الآية، فتجيبهم الملائكة بقولهم: بَلى قد كنتم تعملون السوء والعدوان، إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فهو يجازيكم عليه. وقيل: إن قوله: فَأَلْقَوُا السَّلَمَ إلى آخر الآية، راجع إلى شرح حالهم يوم القيامة، فيتصل في المعنى بقوله عزّ وجلّ: أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ إلخ، فيكون الرَّادُ عليهم بقوله: (بلى) ، هو الله تعالى، أو: أولوا العلم، ويُقوي هذا قوله بعده: فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ لأن دخولها لا يكون إلاَّ بعد البعث والحساب، لا بعد الموت إذ لا يكون بعد الموت إلا العرض عليها غُدوًا وعشيًا، والمراد بدخول أبوابها، أي: التي تفضي إلى طبقاتها، التي هي بعضها على بعض، وأبوابها كذلك، كل صنف يدخل من بابه المُعَدِّ له، خالِدِينَ فِيها فَلَبِئْسَ مَثْوَى أي: مقام الْمُتَكَبِّرِينَ جهنم.
الإشارة: وإذا قيل لأهل الغفلة والإنكار: ماذا أنزل ربكم، على قلوب أولياء زمانكم من المواهب وأسرار الخصوصية؟ قالوا: أساطير الأولين، ثم عَوَّقُوا الناس عن الدخول في طريقهم لتطهير قلوبهم، فيحملوا أوزارهم