يقول الحق جلّ جلاله: وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أي: كفار قريش: ماذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ على رسوله محمد- عليه الصلاة والسلام-؟ قالُوا: هو أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ أي: ما سطره الأولون وكتبوه من الخرافات. وكان النضر بن الحارث قد اتخذ كتب التواريخ، ويقول: إنما يُحدِّث مُحمدٌ بأساطير الأولين، وحديثي أجمل من حديثه.
والقائل لهم هم المقتسِمُون، وتسميته، حينئذ، مُنزلاً إما على وجه التهكم، أو على الفَرض والتقدير، أي: على تقدير أنه منزل، فهو أساطير لا تحقيق فيه. ويحتمل أن يكون القائل لهم المؤمنين، فلا يحتاج إلى تأويل.
لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ أي: قالوا ذلك ليُضلوا الناس، فكان عاقبتهم أن حملوا أوزار ضلالهم كاملة، وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ: وبعض أوزار ضلال من كانوا يضلونهم- وهو حصة التسبب في الوقوع في الضلال- حال كونهم بِغَيْرِ عِلْمٍ أي: يضلون من لا يعلم أنهم ضُلاّل. وفيه دليل على أنَّ الجاهل في العقائد غير معذور إذ كان يجب عليه أن يبحث عن الحق وأهله، وينظر في دلائله وحُججه (?) .
قال البيضاوي: (بِغَيْرِ عِلْمٍ) : حال من المفعول أي: يضلون من لا يعلم أنهم ضُلاّل، وفائدتها: الدلالة على أن جهلهم لا يعذرهم إذ كان عليهم أن يبحثوا، ويميزوا بين المحق والمبطل. هـ. وقال المحشي: ففيه ذم تقليد المبطل، وأن مقلده غير معذور، بخلاف تقليد المحق الذي قام بشاهد صدقه المعجزة، أو غير ذلك، كدليل العقل والنقل فيما تعتبر دلالته. هـ. قلت: ويجوز أن يكون حالاً من الفاعل، أي: يُضِلُّونَ في حال خلوهم من العلم، فقد جمعوا بين الضلال والإضلال.
قال تعالى في شأن أهل الإضلال: أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ، أي: بئس شيئًا يَزِرُونَهُ فعلهم هذا.
قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أي: دبروا أمورًا ليمكروا بها الرسل، فَأَتَى اللَّهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ أي:
قصد ما دبروه من أصله، فهدمه، فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ، وصار ما دبروه، وبنوه من المكر، سبب هلاكهم، وَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ لا يحتسبون ولا يتوقعون، وهو على سبيل التمثيل. وقال ابن عباس وغيره: المراد به نمرود بن كنعان، بنى الصرح ببابل، سُمْكُهُ خمسة آلاف ذراع ليترصّد أمر السماء، فبعث الله ريحًا فهدمته، فخرَّ عليه وعلى قومه، فهلكوا، وقيل: أن جبريل عليه السلام هدمه، فألقى أعلاه في البحر، وانجعف (?) من أسفله.