وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ (?) بأن هيأها لمنافعكم، مُسَخَّراتٌ بِأَمْرِهِ، أي: مذللات لما يريد منها، وهو حال من الجميع، أي: نفعكم بها حال كونها مسخرات لله، منقادة لحكمه، أو لما خلقن له، إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ أي: لأهل العقول السليمة الصافية من ظلمة الغفلة والشهوات، وإنما جمع هنا، دون ما قبله وما بعده لأن الأولى راجعة إلى إنزال المطر، وهو متحد، والثالثة راجعة إلى ما ذرأ في الأرض، وهو متحد في الجنس والهيئة، بخلاف العوالم العلوية، فإنها مختلفة في الجنس والهيئة. وقال البيضاوي: جمع الآية وذكر العقل لأنها تتضمن أنواعًا من الدلالة ظاهرة لذوي العقول السليمة، غير مُحْوِجَةٍ إلى استيفاء فكر، كأحوال النبات. هـ.

وَما ذَرَأَ أي: وسخر لكم ما ذرأ، فهو عطف على الليل، أي: سخر لكم ما خلق لكم في الأرض من حيوانات ونبات، مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ أبيض وأسود، أحمر وأصفر، مع اتحاد المادة، فالماء واحد والزهر ألوان، إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ يتذكرون أن اختلافها في الألوان والطبائع، والهيئات والمناظر، ليس إلا بصنع صانع حكيم.

وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ: ذلله بحيث هيأه للتمكن من الانتفاع به بالركوب فيه، والاصطياد، والغوص، لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا هو السمك، ووصفة بالطراوة لأنه أرطب اللحوم، فيسرع إليه الفساد، فيسارع إلى أكله طريًّا، ولإظهار قدرته في خلقه عذبًا طريًّا في ماء زُعاق (?) أُجاج، واحْتَج به مالك على أن من حلف ألا يأكل لحمًا حنث بأكل السمك، وأجيب بأن مبني الأيمان على العُرف، وهو لا يُفهم منه عند الإطلاق ألا ترى أن الله سمى الكافر دابة، ولا يحنث من حلف ألا يركب دابة بركوبه. قاله البيضاوي. ويجاب بالاحتياط للحنث فالحنث يقع بأدنى شيء، بخلاف البِر، لا يقع إلا بأتم الأشياء.

وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً كاللؤلؤ والمرجان، تَلْبَسُونَها يلبسها نساؤكم، وأسند اللباس إليهم لأن لباس النساء تزين للرجال (?) ، فكأنه مقصودٌ لهم، وَتَرَى الْفُلْكَ: السفن مَواخِرَ فِيهِ جواري فيه تمخر الماء، أي: تشقه، أو تُصوت من هبوب الريح، وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ: من سعة رزقه بركوبه للتجارة، أو: وترى الفلك جواري فيه لتركبوها، ولتبتغوا من سعة رزقه. قال ابن عطية: فيه إباحة ركوب البحر للتجارة وطلب الأرباح. هـ. وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ أي: تعرفون نعم الله فتقوموا بشكرها. ولعل تخصيصه بتعقيب الشكر لأنه أقوى في باب الإنعام من حيث جعل المهالك سببًا للانتفاع، وتحصيل المعاش. قاله البيضاوي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015