المعرفة وعشاق الحقيقة أن ينهلوا من رحيقه، بالمثول فى رحابهم، واقتطاف الأزاهير من بساتينهم، فيكتمل المفاد التفسيري بإحراز التعرف إلى الباطن القرآنى- بالمفهوم السنّى لا الشيعي للباطن- إلى جانب معرفة الظاهر والحد والمطلع، فتلك روافد العطاء المعرفى للقرآن الكريم، كما بيّنها الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلّم بقوله: «إن للقرآن ظهرا وبطنا وحدا ومطلعا» (?) .

فالمراد بالظهر: ما يظهر من معانى التنزيل لأهل العلم بالظاهر. والمراد بالباطن: ما يتضمنه من الأسرار التي اطلع الله تعالى عليها أرباب الحقائق. فالبطن روح الألفاظ، أي: الكلام المعتلى على المدارك الآلية بجواهر الروح القدسية. والحد: مراد به: أن لكل حرف من القرآن منتهى فيما أراده الله تعالى من معناه. والحد: إما بين الظهر والبطن، وإما بين البطن والمطلع، فيرتقى به من البطن إليه عند إدراك الرابطة بين الصفة والاسم، واستهلاك صفة العبد تحت تجليات صفة المتكلم جل شأنه. والمطّلع- بضم الميم وفتح الطاء المشددة واللام-: هو مكان الاطلاع من الكلام النفسي إلى الاسم المتكلم، المشار إليه بقول الصادق: «لقد تجلّى الله تعالى فى كتابه لعباده ولكن لا يبصرون» ومن ثمّ فالمطلع: ما يصعد إليه منه فيطلع على شهود الملك العلام (?) . جعلنا الله تعالى من أهل ذاك المقام، بجاه سيد الأنام، عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام.

وهكذا نجد أن السنة النبوية الشريفة- بحديث: «إن للقرآن ظهرا وبطنا» ونظائره (?) - تعاضد القرآن العظيم فى تأصيل التفسير الفيضي، أو الإشارى فى نحو قوله تعالى: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها (?) وقوله سبحانه: فَمالِ هؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً (?) ، ففيهما الإشارة الثاقبة إلى التفسير الإشارى. ومن ثمّ روى عن باب مدينة العلم. سيدنا علي كرّم الله وجهه أنه قال: «لو شئت لأوقرت سبعين بعيرا من فاتحة الكتاب» وقال: «من فهم القرآن فسر به جمل العلم» (?) .

ولتجسّد أصالة التفسير الصوفي الإشارى وحتمية وجوده لتجلية حقائق القرآن المستنبطة منه بفهم أهل الله تعالى: فقد اعتد أساطين علماء التنزيل به، وضمنوه تفاسيرهم، ووضعوا له التعريف العلمي بضوابطه التي تخرج عنه ما يلتبس به عند غير ذوى العلم، مما يعرف بالتفسير الباطني الذي يقصر دلالة النص القرآنى على تأويلات الباطنية من الشيعة المنحرفة، فهذا لا علاقة له بالتفسير الصوفي على الحقيقة.

من ثمّ عرف التفسير الصوفي الفيضي الإشارى بأنه: تأويل آيات القرآن الكريم على خلاف ما يظهر منها بمقتضى إشارات خفية، تظهر لأهل السلوك، ويمكن التطبيق بينها وبين الظواهر المرادة (?) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015