على أمر يوسف، فيدبر أمره بالحفظ والرعاية، والنصر والعز في عاقبة أمره، خلاف ما أراد به إخوته، وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ أن الأمر كله بيده، أو لا يفهمون لطائف صنعه، وخفايا لطفه.
وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ منتهى اشتداد جسمه، وكمال عقله. وتقدم تفسير الهروي له، وحده. وقيل: ما بين الثلاثين والأربعين، آتَيْناهُ حُكْماً: حكمة، وهي النبوة. أو العلم المؤيد بالعمل. أو حُكماً بين الناس بالعدل.
وَعِلْماً يعني: علم تأويل الأحاديث، أو علماً بأسرار الربوبية، وكيفية آداب العبودية. وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إذا كمل عقلهم، وتوفر آدابهم، وكمل تهذيبهم، آتيناهم الحكمة وكمال المعرفة. وفيه تنبيه على أنه تعالى إنما آتاه ذلك جزاء على إحسانه وإتقانه عمله في عنفوان شبابه.
اَلإشارة: من ظن انفكاك لطف الله عن قدره فذلك لقصور نظره، لا سيما لطفه بالمتوجهين إليه، أو العارفين به الواصلين لحضرته. فكل ما ينزل بهم فإنما هو أقدار جارية، وأمداد سارية، وأنوار بهية، وألطاف خفية، تسبق لهم الأنوار قبل نزول الأقدار، فلا تحوم حول قلوبهم الأكدار، ولا تغير قلوبَهم رؤية الأغيار، عند نزول شدائد الأقدار، يحفظ عليهم أسرار التوحيد، وينزل عليهم أنوار التأييد، عند نزول القضاء الشديد، والبلاء العتيد. ولا بن الفارض رضي الله عنه:
أَحبائِي أَنتُم، أَحْسَنَ الدَّهرُ أم أَسا ... فَكُونُوا كما شِئتُمُ أَنا ذَلك الخِلُّ
وقال صاحب العينية:
تَلَذُّ لِيَ الآلامُ إذْ كُنْتَ مُسقِمي ... وَإن تَخْتَبِرني فَهْي عِنْدي صَنَائِعُ
تَحَكَّم بِمَا تَهْواهُ فِيّّ فإنَّني ... فَقيرٌ لسُلطان المَحَبَّة طَائِعُ
وقد جرت عادة الله تعالى أن يعقب الجلال بالجمال، والمحن بالمنن، والذل بالعز، والفقر بالغنى، فبقدر ما تشتد المحن تأتي بعدها مواهب المنن، وبقدر ما ينزل من الجلال يأتي بعده الجمال. سُنة الله في خلقه، ولن تجد لسنة الله تبديلا. لا راد لما قضى، ولا معقب لما به حكم وأمضى.
قال تعالى: وَاللَّهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ: قال بعض المفسرين: هذه الآية هي قطب هذه السورة، ثم قال: أراد آدم البقاء في الجنة، وما أراد الله ذلك، فكان الأمْر مُراد الله. وأراد إبليس أن يكون رأس البررة الكرام، وأراد الله أن يكون إمام الكفرة اللئام، فكان الأمر كما أراد الله. وأراد النمرود هلاك إبراهيم عليه السلام، ولم يرده الله، فكان الأمر كما