وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها كَذلِكَ النُّشُورُ، مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ، وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْواجاً وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ، وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هَذَا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَواخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ، يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ، إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ.

لَمَّا ذَكَرَ أَشْيَاءَ مِنَ الْأُمُورِ السَّمَاوِيَّةِ وَإِرْسَالِ الْمَلَائِكَةِ، ذَكَرَ أَشْيَاءَ مِنَ الأمور الأرضية:

الرياح وإسالها، وَفِي هَذَا احْتِجَاجٌ عَلَى مُنْكِرِي الْبَعْثِ. دَلَّهُمْ عَلَى الْمِثَالِ الَّذِي يُعَايِنُونَهُ، وَهُوَ وَإِحْيَاءُ الْمَوْتَى سِيَّانِ.

وَفِي الْحَدِيثِ: «أَنَّهُ قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَيْفَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى، وَمَا آيَةُ ذَلِكَ فِي خَلْقِهِ؟ فَقَالَ: هَلْ مررت بوادي أُهْلِكَ مَحْلًا، ثُمَّ مَرَرْتَ بِهِ يَهْتَزُّ خَضِرًا؟ فَقَالُوا: نَعَمْ، فَقَالَ: فَكَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى، وَتِلْكَ آيَتُهُ فِي خَلْقِهِ» .

قِيلَ: أَرْسَلَ فِي مَعْنَى يُرْسِلُ، وَلِذَلِكَ عُطِفَ عَلَيْهِ فَتُثِيرُ. وَقِيلَ: جِيءَ بِالْمُضَارِعِ حِكَايَةَ حَالٍ يَقَعُ فِيهَا إِثَارَةُ الرِّيَاحِ السَّحَابَ، وَيَسْتَحْضِرُ تِلْكَ الصُّورَةَ الْبَدِيعَةَ الدَّالَّةَ عَلَى الْقُدْرَةِ الرَّبَّانِيَّةِ، وَمِنْهُ فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَكَذَا يَفْعَلُونَ بِكُلِّ فِعْلٍ فِيهِ نَوْعُ تَمْيِيزِ خُصُوصِيَّةٍ بِحَالٍ يُسْتَغْرَبُ، أَوْ يُتَّهَمُ الْمُخَاطَبُ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، كَمَا قَالَ تَأَبَّطَ شَرًّا:

بِأَنِّي قَدْ لَقِيتُ الْغُولَ تَهْوِي ... بِشُهْبٍ كَالصَّحِيفَةِ صَحْصَحَانِ

فَأَضْرِبُهَا بلاد هش فَخَرَّتْ ... صَرِيعًا لِلْيَدَيْنِ وَلِلْجِرَانِ

لِأَنَّهُ قَصَدَ أَنْ يُصَوِّرَ لِقَوْمِهِ الْحَالَةَ الَّتِي يُشَجِّعُ فِيهَا ابْنَ عَمِّهِ عَلَى ضَرْبِ الْغُولِ، كَأَنَّهُ يُبَصِّرُهُمْ إياهم وَيُطْلِعُهُمْ عَلَى كُنْهِهَا، مُشَاهَدَةً لِلتَّعَجُّبِ مِنْ جَرَاءَتِهِ عَلَى كُلِّ هَوْلٍ، وَثَبَاتِهِ عِنْدَ كُلِّ شِدَّةٍ. وَكَذَلِكَ سَوْقُ السَّحَابِ إِلَى الْبَلَدِ الْمَيِّتِ، وَإِحْيَاءُ الْأَرْضِ بِالْمَطَرِ بَعْدَ موتها.

لما كانا مِنَ الدَّلَائِلِ عَلَى الْقُدْرَةِ الْبَاهِرَةِ وَقِيلَ: فَسُقْنَا وَأَحْيَيْنَا، مَعْدُولًا بِهِمَا عَنْ لَفْظِ الْغَيْبَةِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015