الظُّلُماتِ (?) ، وَقَالَهُ الْكِسَائِيُّ، أَيْ تَقْدِيرُهُ: تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ لِدَلَالَةِ: فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ. وَقِيلَ: التَّقْدِيرُ: فَرَآهُ حَسَنًا، فَأَضَلَّهُ اللَّهُ كَمَنْ هَدَاهُ اللَّهُ، فَحُذِفَ ذَلِكَ لِدَلَالَةِ: فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ، وَذَكَرَ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ الزَّجَّاجُ. وَشَرَحَ الزَّمَخْشَرِيُّ هُنَا يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ عَلَى طَرِيقَتِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كِتَابِهِ، مِنْ أَنَّ الْإِضْلَالَ هُوَ خذلانه وتخليته وشأنه، وَأَتَى بِأَلْفَاظٍ كَثِيرَةٍ فِي هَذَا الْمَعْنَى. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: أَفَمَنْ زُيِّنَ مبينا لِلْمَفْعُولِ سُوءُ رُفِعَ. وَقَرَأَ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ: زَيَّنَّ لَهُ سُوءَ، مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ، وَنَصَبَ سُوءَ وَعَنْهُ أَيْضًا أَسْوَأَ عَلَى وَزْنِ أَفْعَلَ مَنْصُوبًا وَأَسْوَأُ عَمَلِهِ: هُوَ الشِّرْكُ. وَقِرَاءَةُ طَلْحَةَ: أَمَنْ بِغَيْرِ فَاءٍ، قَالَ صَاحِبُ اللَّوَامِحِ: لِلِاسْتِخْبَارِ بِمَعْنَى الْعَامَّةِ لِلتَّقْرِيرِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى حَرْفِ النِّدَاءِ، فَحُذِفَ التَّمَامُ كَمَا حُذِفَ مِنَ الْمَشْهُورِ الْجَوَابُ. انْتَهَى. وَيَعْنِي بِالْجَوَابِ:
خَبَرَ الْمُبْتَدَأِ، وَبِالتَّمَامِ: مَا يُؤَدَّى لِأَجْلِهِ، أَيْ تَفَكَّرْ وَارْجِعْ إِلَى اللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ تَسْلِيَةٌ لِلرَّسُولِ عَنْ كُفْرِ قَوْمِهِ، وَوُجُوبُ التَّسْلِيمِ لِلَّهِ فِي إِضْلَالِهِ مَنْ يَشَاءُ وَهِدَايَةِ مَنْ يَشَاءُ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ، مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ مِنْ ذَهَبَ، وَنَفْسُكَ فَاعِلٌ. وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ، وَقَتَادَةُ، وَعِيسَى، وَالْأَشْهَبُ، وَشَيْبَةُ، وَأَبُو حَيْوَةَ، وَحُمَيدٌ وَالْأَعْمَشُ، وَابْنُ مُحَيْصِنٍ: تُذْهِبْ من أذهب، مسند الضمير الْمُخَاطَبِ، نَفْسُكَ: نُصِبَ، وَرُوِيَتْ عَنْ نَافِعٍ: وَالْحَسْرَةُ هَمُّ النَّفْسِ عَلَى فَوَاتِ أَمْرٍ. وَانْتُصِبَ حَسَراتٍ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ مِنْ أَجْلِهِ، أَيْ فَلَا تَهْلِكْ نَفْسُكَ لِلْحَسَرَاتِ، وعليهم متعلق بتذهب، كَمَا تَقُولُ: هَلَكَ عَلَيْهِ حُبًّا، وَمَاتَ عَلَيْهِ حُزْنًا، أَوْ هُوَ بَيَانٌ لِلْمُتَحَسَّرِ عَلَيْهِ، وَلَا يَتَعَلَّقُ بِحَسَرَاتٍ لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ، فَلَا يَتَقَدَّمُ مَعْمُولُهُ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا، كَأَنَّ كُلَّهَا صَارَتْ حَسَرَاتٍ لِفَرْطِ التَّحَسُّرِ، كَمَا قَالَ جَرِيرٌ:
مَشَقَ الْهَوَاجِرُ لَحْمَهُنَّ مَعَ السُّرَى ... حَتَّى ذَهَبْنَ كَلَاكِلًا وصدروا
يريد: رجعن كلا كلا وَصُدُورًا، أَيْ لَمْ يَبْقَ إلا كلا كلها وَصُدُورُهَا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ:
فَعَلَى إِثْرِهِمْ تَسَاقَطُ نَفْسِي ... حَسَرَاتٍ وَذِكْرُهُمْ لِي سَقَامُ
انْتَهَى. وَمَا ذُكِرَ مِنَ أَنَّ كلا كلا وَصُدُورًا حَالَانِ هُوَ مَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ. وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: هُوَ تَمْيِيزٌ مَنْقُولٌ مِنَ الْفَاعِلِ، أي حتى ذهبت كلا كلها وَصُدُورُهَا. ثُمَّ تَوَعَّدَهُمْ بِالْعِقَابِ عَلَى سُوءِ صُنْعِهِمْ فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ: أَيْ فَيُجَازِيهِمْ عَلَيْهِ.