مَا بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ
(?) ، وَمَثْلُهُ: وَظَنُّوا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (?) ، فَيَكُونُ فِي بِمَعْنَى الْبَاءِ، ثُمَّ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصاحِبِهِمْ مِنْ، كَأَنَّهُ قال: أو لم يَتَفَكَّرُوا بِقُلُوبِهِمْ فَيَعْلَمُوا. انْتَهَى.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَفَكَّرُوا هُنَا مُعَلَّقَةً، وَمُتَعَلِّقُهَا الْجُمْلَةُ مِنْ قَوْلِهِ: مَا خَلَقَ إلى آخرها.
وفِي أَنْفُسِهِمْ: ظَرْفٌ عَلَى سَبِيلِ التَّأْكِيدِ، لِأَنَّ الْفِكْرَ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي النَّفْسِ، كَمَا أَنَّ الْكِتَابَةَ لَا تكون إلا باليد. وبِالْحَقِّ: فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، أَيْ وَهِيَ مُلْتَبِسَةٌ بِالْحَقِّ مُقْتَرِنَةٌ بِهِ، وَبِتَقْدِيرِ أَجَلٍ مُسَمًّى لَا بُدَّ لَهَا أَنْ تَنْتَهِيَ إِلَيْهِ وَهُوَ: قِيَامُ السَّاعَةِ، وَوَقْتُ الْحِسَابِ وَالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ. أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لَا تُرْجَعُونَ (?) .
كَيْفَ سَمَّى تَرْكَهُمْ غَيْرَ رَاجِعِينَ إِلَيْهِ عَبَثًا؟ وَالْمُرَادُ بِلِقَاءِ رَبِّهِمُ: الْأَجَلُ الْمُسَمَّى.
وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: إِلَّا بِالْحَقِّ، أَيْ بِسَبَبِ الْمَنَافِعِ الَّتِي هِيَ حَقٌّ وَاجِبٌ، يُرِيدُ مِنَ الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ وَالْعِبَادَةِ لَهُ دُونَ فُتُورٍ، وَالِانْتِصَارِ لِلْعِبْرَةِ وَمَنَافِعِ الْإِرْفَاقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَأَجَلٍ عَطْفٌ عَلَى الْحَقِّ، أَيْ وَبِأَجَلٍ مُسَمًّى، وَهُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ. فَفِي الْآيَةِ إِشَارَةٌ إِلَى الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ وَفَسَادِ بِنْيَةِ هَذَا الْعَالَمِ. ثُمَّ أَخْبَرَ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِذَلِكَ الْمَعْنَى، فَعَبَّرَ عَنْهَا بِلِقَاءِ اللَّهِ، لِأَنَّ لِقَاءَ اللَّهِ هُوَ عَظِيمُ الْأَمْرِ، فِيهِ النَّجَاةُ وَالْهَلَكَةُ. انْتَهَى.
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيُّ: قَدَّمَ هُنَا دَلَائِلَ الْأَنْفُسِ عَلَى دَلَائِلِ الْآفَاقِ، وَفِي: سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ (?) دَلَائِلَ الْآفَاقِ عَلَى دَلَائِلِ الْأَنْفُسِ، وَحِكْمَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُفِيدَ يَذْكُرُ الْفَائِدَةَ عَلَى وَجْهٍ يَخْتَارُهَا، فَإِنْ فُهِمَتْ، وَإِلَّا انْتَقَلَ إِلَى الْأَبْيَنِ. وَالْمُسْتَفِيدُ يَفْهَمُ أَوَّلًا الْأَبْيَنَ، ثُمَّ يَرْتَقِي إِلَى الْأَخْفَى. وَفِي أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا بِفِعْلٍ مُسْنَدٍ إِلَى السَّامِعِ، فَبَدَأَ بِمَا يَفْهَمُ أَوَّلًا، ثُمَّ ارْتَقَى إِلَيْهِ ثَانِيًا. وَفِي سَنُرِيهِمْ (?) أَسْنَدَ إِلَى الْمُفِيدِ، فَذَكَرَ أَوَّلًا الْآفَاقَ، فَإِنْ لَمْ يَفْهَمُوا، فَالْأَنْفُسُ، إِذْ لَا ذُهُولَ لِلْإِنْسَانِ عَنْ دَلَائِلِهَا، بِخِلَافِ دَلَائِلِ الْآفَاقِ، لِأَنَّهُ قَدْ يُذْهَلُ عَنْهَا، وَهَذَا مُرَاعًى فِي الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً (?) الْآيَةَ. بَدَأَ بِأَحْوَالِ الْأَنْفُسِ، ثُمَّ بِدَلَائِلِ الْآفَاقِ. وَقَالَ أَيْضًا هُنَا: وَإِنَّ كَثِيراً، وقَبْلُ، وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ، وَذَلِكَ أَنَّ هُنَا ذَكَرَ كَثِيرًا بَعْدَ ذِكْرِ الدَّلَائِلِ الْوَاضِحَةِ، وَهُمَا: أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ، وما خَلَقَ اللَّهُ. وَالْإِيمَانُ بَعْدَ الدَّلَائِلِ أَكْثَرُ مِنَ الْإِيمَانِ قَبْلَهَا، فَبَعْدَ ذِكْرِ الدَّلِيلِ، لَا بُدَّ أَنْ يُؤْمِنَ مِنْ ذَلِكَ الْأَكْثَرِ جَمْعٌ، فَلَا يَبْقَى الْأَكْثَرُ. انْتَهَى، وفيه تلخيص. ولا