الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ

» (?)

فَأَمَّا قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ (?) ، فَلَفْظُ الْأَبِ قَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْعَمِّ، كَمَا قَالُوا أَبْنَاءُ يَعْقُوبَ لَهُ: نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ (?) ،. سَمَّوْا إِسْمَاعِيلَ أَبًا مَعَ أَنَّهُ كَانَ عَمًّا لَهُ.

قُلْ: هَلْ أُنَبِّئُكُمْ: أَيْ قُلْ يَا مُحَمَّدُ: هَلْ أُخْبِرُكُمْ؟ وَهَذَا اسْتِفْهَامُ تَوْقِيفٍ وَتَقْرِيرٍ.

وَعَلَى مَنْ مُتَعَلِّقٌ بتنزل، وَالْجُمْلَةُ الْمُتَضَمِّنَةُ مَعْنَى الِاسْتِفْهَامِ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ لِأُنَبِّئُكُمْ، لِأَنَّهُ مُعَلَّقٌ، لِأَنَّهُ بِمَعْنَى أُعْلِمُكُمْ، فَإِنْ قَدَّرْتَهَا مُتَعَدِّيَةً لِاثْنَيْنِ، كَانَتْ سَادَّةً مَسَدَّ الْمَفْعُولِ الثَّانِي وَإِنْ قَدَّرْتَهَا مُتَعَدِّيَةً لِثَلَاثَةٍ، كَانَتْ سَادَّةً مَسَدَّ الِاثْنَيْنِ. وَالِاسْتِفْهَامُ إِذَا عُلِّقَ عَنْهُ الْعَامِلُ، لَا يَبْقَى عَلَى حَقِيقَةِ الِاسْتِفْهَامِ وهو الاستعلام، بل يؤول مَعْنَاهُ إِلَى الْخَبَرِ. أَلَا تَرَى أَنَّ قَوْلَكَ: عَلِمْتُ أَزْيَدٌ فِي الدَّارِ أَمْ عَمْرٌو، كَانَ الْمَعْنَى: عَلِمْتَ أَحَدَهُمَا فِي الدَّارِ؟ فَلَيْسَ الْمَعْنَى أَنَّهُ صَدَرَ مِنْهُ عِلْمٌ، ثُمَّ اسْتَعْلَمَ الْمُخَاطَبَ عَنْ تَعْيِينِ مَنْ فِي الدَّارِ مِنْ زَيْدٍ وَعَمْرٍو، فَالْمَعْنَى هُنَا: هَلْ أُعْلِمُكُمْ مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ عَلَيْهِ؟ لَا أَنَّهُ اسْتَعْلَمَ الْمُخَاطَبِينَ عَنِ الشَّخْصِ الَّذِي تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ عَلَيْهِ.

وَلَمَّا كَانَ الْمَعْنَى هَذَا، جَاءَ الْإِخْبَارُ بَعْدَهُ بِقَوْلِهِ: تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ، كَأَنَّهُ لَمَّا قَالَ: هَلْ أُخْبِرُكُمْ بِكَذَا؟ قِيلَ لَهُ: أَخْبِرْ، فَقَالَ: تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ، وَهُوَ الْكَثِيرُ الْإِفْكِ، وَهُوَ الْكَذِبُ، أَثِيمٌ: كَثِيرُ الْإِثْمِ. فَأَفَّاكٌ أَثِيمٌ: صِيغَتَا مُبَالَغَةٍ، وَالْمُرَادُ الْكَهَنَةُ.

وَالضَّمِيرُ فِي يُلْقُونَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَعُودَ إِلَى الشَّيَاطِينِ، أَيْ يُنْصِتُونَ وَيُصْغُونَ بِأَسْمَاعِهِمْ، لِيَسْتَرِقُوا شَيْئًا مِمَّا يَتَكَلَّمُ بِهِ الْمَلَائِكَةُ، حَتَّى يَنْزِلُوا بِهَا إِلَى الْكَهَنَةِ، أَوْ: يُلْقُونَ السَّمْعَ:

أَيِ الْمَسْمُوعَ إِلَى مَنْ يَتَنَزَّلُونَ عَلَيْهِ. وَأَكْثَرُهُمْ: أَيْ وَأَكْثَرُ الشَّيَاطِينِ الْمُلْقِينَ كاذِبُونَ. فَعَلَى مَعْنَى الْإِنْصَاتِ يَكُونُ اسْتِئْنَافَ إِخْبَارٍ، وَعَلَى إِلْقَاءِ الْمَسْمُوعِ إِلَى الْكَهَنَةِ احْتَمَلَ الِاسْتِئْنَافَ، وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الشَّيَاطِينِ، أَيْ تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ مُلْقِينَ مَا سَمِعُوا. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَعُودَ الضَّمِيرُ فِي يُلْقُونَ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ، وَجُمِعَ الضَّمِيرُ، لِأَنَّ كُلَّ أَفَّاكٍ فِيهِ عُمُومٌ وَتَحْتَهُ أَفْرَادٌ. وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: يُلْقُونَ سَمْعَهُمْ إِلَى الشَّيَاطِينِ، لِيَنْقُلُوا عَنْهُمْ مَا يُقَرِّرُونَهُ فِي أَسْمَاعِهِمْ، وَأَنْ يَكُونَ يُلْقُونَ السَّمْعَ، أَيِ الْمَسْمُوعَ مِنَ الشَّيَاطِينِ إِلَى النَّاسِ وَأَكْثَرُهُمْ، أَيْ أَكْثَرُ الْكَهَنَةِ كَاذِبُونَ. كَمَا

جَاءَ أَنَّهُمْ يَتَلَقَّوْنَ مِنَ الشَّيَاطِينِ الْكَلِمَةَ الْوَاحِدَةَ الَّتِي سُمِعَتْ مِنَ السَّمَاءِ، فَيَخْلِطُونَ مَعَهَا مِائَةَ كذبة.

فإذا صدقت

طور بواسطة نورين ميديا © 2015