وَمَا تَفْعَلُهُ مِنْ تَهَجُّدِكَ. وَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ مِنْهُمُ ابْنُ عَبَّاسٍ، عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى حِينَ تَقُومُ إِلَى الصَّلَاةِ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: وَتَقَلُّبَكَ مَصْدَرُ تَقَلَّبَ، وَعُطِفَ عَلَى الْكَافِ فِي يَراكَ
. وَقَرَأَ جَنَاحُ بْنُ حُبَيْشٍ: وَتَقَلُّبَكَ مُضَارِعُ قَلَّبَ مُشَدَّدًا، عَطْفًا عَلَى يَراكَ
. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ: فِي السَّاجِدِينَ: فِي الْمُصَلِّينَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فِي أَصْلَابِ آدَمَ وَنُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ حَتَّى خَرَجْتَ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: يَرَاكَ قَائِمًا وَسَاجِدًا. وَقِيلَ: مَعْنَى تَقُومُ
: تَخْلُو بِنَفْسِكَ. وَعَنْ مُجَاهِدٍ أَيْضًا: الْمُرَادُ تَقَلُّبُ بَصَرِهِ فِيمَنْ يُصَلِّي خَلْفَهُ، كَمَا
قَالَ: «أَتِمُّوا الركوع والسجود فو الله إِنِّي لَأَرَاكُمْ مِنْ خَلْفِي» .
وَفِي الْوَجِيزِ لِابْنِ عَطِيَّةَ: ظَاهِرُ الْآيَةِ أَنَّهُ يُرِيدُ قِيَامَ الصَّلَاةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ سَائِرَ التَّصَرُّفَاتِ، وَهُوَ تَأْوِيلُ مُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ. وَفِي السَّاجِدِينَ:
أَيْ صَلَاتَكَ مَعَ الْمُصَلِّينَ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةُ وَغَيْرُهُمَا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا، وَقَتَادَةُ: أَرَادَ وَتَقَلُّبَكَ فِي الْمُؤْمِنِينَ، فَعَبَّرَ عَنْهُمْ بِالسَّاجِدِينَ. وَقَالَ ابْنُ جُبَيْرٍ: أَرَادَ الْأَنْبِيَاءَ، أَيْ تَقَلُّبَكَ كَمَا تَقَلَّبَ غَيْرُكَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: ذَكَرَ مَا كَانَ يَفْعَلُهُ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ مِنْ قِيَامِهِ لِلتَّهَجُّدِ، وَتَقَلُّبِهِ فِي تَصَفُّحِ أَحْوَالِ الْمُتَهَجِّدِينَ مِنْ أَصْحَابِهِ، لِيَطَّلِعَ عَلَيْهِمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ، وَيَسْتَبْطِنَ سَرَائِرَهُمْ وَكَيْفَ يَعْمَلُونَ لِآخِرَتِهِمْ. كَمَا
يُحْكَى أَنَّهُ حِينَ نُسِخَ فَرْضُ قِيَامِ اللَّيْلِ، طَافَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ بِبُيُوتِ أَصْحَابِهِ لِيَنْظُرَ مَا يَصْنَعُونَ، بِحِرْصِهِ عَلَيْهِمْ وَعَلَى مَا يُوجَدُ مِنْهُمْ مِنْ فَعْلِ الطَّاعَاتِ وَتَكْثِيرِ الْحَسَنَاتِ، فَوَجَدَهَا كَبُيُوتِ الزَّنَابِيرِ، لِمَا سَمِعَ مِنْ دَنْدَنَتِهِمْ بِذِكْرِ اللَّهِ وَالتِّلَاوَةِ.
وَالْمُرَادُ بِالسَّاجِدِينَ: الْمُصَلُّونَ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ لِلصَّلَاةِ بِالنَّاسِ جَمَاعَةً، وَتَقَلُّبُهُ فِي السَّاجِدِينَ: تَصَرُّفُهُ فِيمَا بَيْنَهُمْ لِقِيَامِهِ وَرُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ وَقُعُودِهِ إِذَا أَمَّهُمْ. وَعَنْ مُقَاتِلٍ، أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: هَلْ تَجِدُ الصَّلَاةَ فِي الْجَمَاعَةِ فِي الْقُرْآنِ؟ فَتَلَا هَذِهِ الْآيَةِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَخْفَى عَلَيَّ حَالُكَ كُلَّمَا قُمْتَ وَتَقَلَّبْتَ مَعَ السَّاجِدِينَ فِي كِفَايَةِ أُمُورِ الدِّينِ. انْتَهَى.
إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ لِمَا تَقُولُهُ، الْعَلِيمُ بما تنوبه وَتَعْمَلُهُ، وَذَهَبَتِ الرَّافِضَةُ إِلَى أَنَّ آبَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا مُؤْمِنِينَ، وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ قَالُوا:
فَاحْتَمَلَ الْوُجُوهَ الَّتِي ذُكِرَتْ، وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّهُ تَعَالَى نَقَلَ رُوحَهُ مِنْ سَاجِدٍ إِلَى سَاجِدٍ، كَمَا نَقُولُهُ نَحْنُ. فَإِذَا احْتَمَلَ كُلَّ هَذِهِ الْوُجُوهِ، وَجَبَ حَمْلُ الْآيَةِ عَلَى الْكُلِّ ضَرُورَةً، لِأَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ وَلَا رُجْحَانَ.
وَبِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «لَمْ أَزَلْ أُنْقَلُ مِنْ أَصْلَابِ الطَّاهِرِينَ إِلَى أَرْحَامِ الطَّاهِرَاتِ، وَكُلُّ مَنْ كَانَ كَافِرًا فَهُوَ نَجِسٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّمَا