كَفَّارَةً فَنَزَلَتْ إِلَى غَفُوراً رَحِيماً.
وقيل: نُزُولِهَا قِصَّةُ وَحْشِيٍّ فِي إِسْلَامِهِ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: نَفَى هَذِهِ التَّقْبِيحَاتِ الْعِظَامَ عَنِ الْمَوْصُوفِينَ بِتِلْكَ الْخِلَالِ الْعَظِيمَةِ فِي الدِّينِ لِلتَّعْرِيضِ بِمَا كَانَ عَلَيْهِ أَعْدَاءُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ قُرَيْشٍ وَغَيْرِهِمْ، كَأَنَّهُ قِيلَ: وَالَّذِينَ بَرَّأَهُمُ اللَّهُ وَطَهَّرَهُمْ مِمَّا أَنْتُمْ عَلَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: إِخْرَاجٌ لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ صِفَاتِ الْكَفَرَةِ فِي عِبَادَتِهِمُ الْأَوْثَانَ وَقَتْلِهِمُ النَّفْسَ بِوَأْدِ الْبَنَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الظُّلْمِ وَالِاغْتِيَالِ وَالْغَارَاتِ وَبِالزِّنَا الَّذِي كَانَ عِنْدَهُمْ مُبَاحًا انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُ نَظِيرِ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ (?) فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ. وَقُرِئَ يَلْقَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ اللَّامِ وَالْقَافِ مُشَدَّدَةً وَابْنُ مَسْعُودٍ وَأَبُو رَجَاءٍ يَلْقَى بِأَلِفٍ، كَأَنْ نَوَى حَذْفَ الضَّمَّةِ الْمُقَدَّرَةِ عَلَى الْأَلِفِ فَأَقَرَّ الْأَلِفَ. وَالْأَثَامُ فِي اللُّغَةِ الْعِقَابُ وَهُوَ جَزَاءُ الْإِثْمِ. قَالَ الشَّاعِرُ:
جَزَى اللَّهُ ابْنَ عروة حيث أمسى ... عقوق وَالْعُقُوقُ لَهُ أَثَامُ
أَيْ حَدٌّ وَعُقُوبَةٌ وَبِهِ فَسَّرَهُ قَتَادَةُ وَابْنُ زَيْدٍ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عمرو وَمُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ وَابْنُ جُبَيْرٍ: أَثَامٌ وَادٍ فِي جَهَنَّمَ هَذَا اسْمُهُ جَعَلَهُ اللَّهُ عِقَابًا لِلْكَفَرَةِ. وَقَالَ أَبُو مُسْلِمٍ: الْأَثَامُ الْإِثْمُ، وَمَعْنَاهُ يَلْقَ جَزَاءَ أَثَامٍ، فَأَطْلَقَ اسْمَ الشَّيْءِ عَلَى جَزَائِهِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: الْأَثَامُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ جَهَنَّمَ. وَقِيلَ: بِئْرٌ فِيهَا. وَقِيلَ: جَبَلٌ. وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ: يَلْقَ أَيَّامًا جَمْعَ يَوْمٍ يَعْنِي شَدَائِدَ. يُقَالُ: يَوْمٌ ذُو أَيَّامٍ لِلْيَوْمِ الْعَصِيبِ. وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَظْهَرُ أَنَّهُ إِشَارَةٌ إِلَى الْمَجْمُوعِ مِنْ دُعَاءِ إِلَهٍ وَقَتْلِ النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَالزِّنَا، فَيَكُونُ التَّضْعِيفُ مُرَتَّبًا عَلَى مَجْمُوعِ هَذِهِ الْمَعَاصِي، وَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ التَّضْعِيفُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا. وَلَا شَكَّ أَنَّ عَذَابَ الْكُفَّارِ يَتَفَاوَتُ بِحَسَبِ جَرَائِمِهِمْ.
وَقَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ وَبِأَلِفٍ وَيَخْلُدْ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ. وَالْحَسَنُ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَابْنُ كَثِيرٍ كَذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُمْ شَدَّدُوا الْعَيْنَ وَطَرَحُوا الْأَلِفَ. وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ أَيْضًا وَشَيْبَةُ وَطَلْحَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ نُضَعِّفْ بِالنُّونِ مَضْمُومَةً وَكَسْرِ الْعَيْنِ مُشَدَّدَةً الْعَذابُ نَصْبٌ. وَطَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ يُضاعَفْ بِالْيَاءِ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ الْعَذابُ نصبا. وَقَرَأَ طَلْحَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ وَتَخْلُدُ بِتَاءِ الْخِطَابِ عَلَى الِالْتِفَاتِ مَرْفُوعًا أَيْ وَتَخْلُدُ أَيُّهَا الْكَافِرُ. وَقَرَأَ أَبُو حَيْوَةَ وَيَخْلُدْ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ مُشَدَّدَ اللَّامِ مَجْزُومًا. وَرُوِيَتْ عَنْ أَبِي عَمْرٍو وَعَنْهُ كَذَلِكَ مُخَفَّفًا. وَقَرَأَ أَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ يُضاعَفْ وَيَخْلُدْ بالرفع