لَمَّا أَتَى خَبَرُ الزُّبَيْرِ تَوَاضَعَتْ ... سُورُ الْمَدِينَةِ وَالْجِبَالُ الْخُشَّعُ
وَقَالَ آخَرُ:
أَلَمْ تَرَ صَدْعًا فِي السَّمَاءِ مُبَيَّنًا ... عَلَى ابْنٍ لِبَنِي الْحَارِثِ بْنِ هِشَامِ
وَقَالَ الآخر:
فَأَصْبَحَ بَطْنُ مَكَّةَ مُقْشَعِرًّا ... كَأَنَّ الْأَرْضَ لَيْسَ بِهَا هِشَامُ
وَقَالَ آخَرُ:
بَكَى حَارِثُ الْجَوْلَانِ مِنْ فَقْدِ رَبِّهِ ... وَحَوْرَانُ مِنْهُ خَاشِعٌ مُتَضَائِلُ
حَارِثُ الْجَوْلَانِ: مَوْضِعٌ.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَإِنْ قُلْتَ: ما معنى انفطار السموات وَانْشِقَاقِ الْأَرْضِ وَخُرُورِ الْجِبَالِ، وَمِنْ أَيْنَ تُؤْثَرُ هَذِهِ الْكَلِمَةُ فِي الْجَمَادَاتِ؟ قُلْتُ: فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أن اللَّهَ يَقُولُ:
كِدْتُ أَفْعَلُ هذه بالسماوات وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ عِنْدَ وُجُودِ هَذِهِ الْكَلِمَةِ غَضَبًا مِنِّي عَلَى مَنْ تَفَوَّهَ بِهَا لَوْلَا حِلْمِي وَوَقَارِي، وَإِنِّي لَا أُعَجِّلُ بِالْعُقُوبَةِ كَمَا قَالَ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ (?) الْآيَةَ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ اسْتِعْظَامًا لِلْكَلِمَةِ، وَتَهْوِيلًا مِنْ فَظَاعَتِهَا، وَتَصْوِيرًا لِأَثَرِهَا فِي الدِّينِ وَهَدْمِهَا لِأَرْكَانِهِ. وَقَوَاعِدِهِ، وَأَنَّ مِثَالَ ذَلِكَ الْأَثَرِ فِي الْمَحْسُوسَاتِ أَنْ يُصِيبَ هَذِهِ الْأَجْرَامَ الْعَظِيمَةَ الَّتِي هِيَ قِوَامُ الْعَالَمِ مَا تَنْفَطِرُ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ وَتَخِرُّ انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِنَّ هذا الكلام فزعت منه السموات وَالْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَجَمِيعُ الْخَلَائِقِ إِلَّا الثَّقَلَيْنِ وَكِدْنَ أَنْ يَزُلْنَ مِنْهُ تَعْظِيمًا لِلَّهِ تَعَالَى. وَقِيلَ: الْمَعْنَى كَادَتِ الْقِيَامَةُ أَنْ تَقُومَ فَإِنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ تَكُونُ حَقِيقَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَقِيلَ: تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ أَيْ تَسْقُطُ عَلَيْهِمْ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ أَيْ تُخْسَفُ بِهِمْ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا أَيْ تَنْطَبِقُ عَلَيْهِمْ. وَقَالَ أَبُو مُسْلِمٍ: تَكَادُ تَفْعَلُ ذَلِكَ لَوْ كَانَتْ تَعْقِلُ مِنْ غِلَظِ هَذَا الْقَوْلِ، وَانْتَصَبَ هَدًّا عِنْدَ النَّحَّاسِ عَلَى الْمَصْدَرِ قَالَ: لِأَنَّ مَعْنَى تَخِرُّ تَنْهَدُّ انْتَهَى. وَهَذَا عَلَى أَنْ يَكُونَ هَدًّا مَصْدَرًا لِهَدَّ الْحَائِطُ يَهِدُّ بِالْكَسْرِ هَدِيدًا وَهَدًّا وَهُوَ فِعْلٌ لَازِمٌ. وَقِيلَ هَدًّا مَصْدَرٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ أَيْ مَهْدُودَةً، وَهَذَا عَلَى أَنْ يَكُونَ هَدًّا مَصْدَرُ هَدَّ الْحَائِطَ إِذَا هَدَمَهُ وَهُوَ فِعْلٌ متعد،