قالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ أَيْ مَا بَسَطَ اللَّهُ لِي مِنَ الْقُدْرَةِ وَالْمُلْكِ خَيْرٌ مِنْ خَرْجِكُمْ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَيْ بِمَا أَتَقَوَّى بِهِ مِنْ فَعَلَةٍ وَصُنَّاعٍ يُحْسِنُونَ الْعَمَلَ وَالْبِنَاءَ قَالَهُ مُقَاتِلٌ، وَبِالْآلَاتِ قَالَهُ الْكَلْبِيُّ رَدْماً حَاجِزًا حَصِينًا مُوَثَّقًا. وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَحُمَيْدٌ: مَا مَكَّنَنِي بِنُونَيْنِ مُتَحَرِّكَتَيْنِ، وَبَاقِي السَّبْعَةِ بِإِدْغَامِ نُونِ مَكَّنَ فِي نُونِ الْوِقَايَةِ.

ثُمَّ فُسِّرَ الْإِعَانَةُ بِالْقُوَّةِ فَقَالَ آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ أَيْ أَعْطُونِي. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: إِنَّمَا هُوَ اسْتِدْعَاءُ مُنَاوَلَةٍ لَا اسْتِدْعَاءُ عَطِيَّةٍ وَهِبَةٍ لِأَنَّهُ قَدِ ارْتَبَطَ مِنْ قَوْلِهِ إِنَّهُ لَا يَأْخُذُ مِنْهُمُ الْخَرَاجَ، فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا اسْتِدْعَاءُ الْمُنَاوَلَةِ انْتَهَى. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ آتُونِي. وَقَرَأَ أَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ ائْتُونِي أَيْ جِيئُونِي. وَانْتَصَبَ زُبَرَ بائتوني عَلَى إِسْقَاطِ حَرْفِ الْجَرِّ أَيْ جِيئُونِي بِزُبَرِ الْحَدِيدِ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ زُبَرَ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَالْحَسَنُ بِضَمِّهَا، وَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ فَأَتَوْهُ أَوْ فَآتَوْهُ بِهَا فَأَمَرَ بِرَصِّ بَعْضِهَا فَوْقَ بَعْضٍ حَتَّى إِذا سَاوَى.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ سَاوَى وَقَتَادَةُ سَوَّى، وَابْنُ أَبِي أُمَيَّةَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ سُووِيَ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ. وَحُكِيَ فِي الْكَيْفِيَّةِ أَنَّ ذَا الْقَرْنَيْنِ قَاسَ مَا بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ مِنْ حَفْرِ الْأَسَاسِ حَتَّى بَلَغَ الْمَاءَ ثُمَّ جَعَلَ حَشْوَهُ الصَّخْرَ وَطِينَهُ النحاس مذاب، ثُمَّ يُصَبُّ عَلَيْهِ وَالْبُنْيَانُ مِنْ زُبَرِ الْحَدِيدِ بَيْنَهُمَا الْحَطَبُ وَالْفَحْمُ حَتَّى سَدَّ مَا بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ إِلَى أَعْلَاهُمَا، ثُمَّ وَضَعَ الْمَنَافِخَ حَتَّى إِذَا صَارَتْ كَالنَّارِ صَبَّ النُّحَاسَ الْمُذَابَ عَلَى الْحَدِيدِ الْمُحْمَى فَاخْتَلَطَ وَالْتَصَقَ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ وَصَارَ جَبَلًا صَلْدًا. وَقِيلَ: طُولُ مَا بَيْنَ السَّدَّيْنِ مِائَةُ فَرْسَخٍ وَعَرْضُهُ خَمْسُونَ.

وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ رَجُلًا أَخْبَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ فَقَالَ: «كَيْفَ رَأَيْتَهُ» ؟ فَقَالَ: كَالْبَرْدِ الْمُحَبَّرِ طَرِيقَةٌ سَوْدَاءُ وَطَرِيقَةٌ حَمْرَاءُ، قَالَ: «قَدْ رَأَيْتَهُ» .

وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَابْنُ عَامِرٍ وَالزُّهْرِيُّ وَمُجَاهِدٌ وَالْحَسَنُ الصَّدَفَيْنِ بِضَمِّ الصَّادِ وَالدَّالِ، وَأَبُو بَكْرٍ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ وَأَبُو رَجَاءٍ وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ كَذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُ سَكَّنَ الدَّالَ وَبَاقِي السَّبْعَةِ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَشَيْبَةُ وَحُمَيْدٌ وَطَلْحَةُ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَجَمَاعَةٌ عَنْ يَعْقُوبَ وَخَلَفٌ فِي اخْتِيَارِهِ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَابْنُ سَعْدَانَ بِفَتْحِهِمَا، وَابْنُ جُنْدُبٍ بِالْفَتْحِ وَإِسْكَانِ الدَّالِ، وَرُوِيَتْ عَنْ قَتَادَةَ. وَقَرَأَ الْمَاجُشُونُ بِالْفَتْحِ وَضَمِّ الدَّالِ. وَقَرَأَ قَتَادَةُ وَأَبَانُ عَنْ عَاصِمٍ بِضَمِّ الصَّادِ وَفَتْحِ الدَّالِ حَتَّى إِذا جَعَلَهُ نَارًا فِي الْكَلَامِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ فَنَفَخُوا حَتَّى. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ قَالَ آتُونِي أَيْ أَعْطُونِي. وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ وَطَلْحَةُ وَحَمْزَةُ وَأَبُو بَكْرٍ بِخِلَافٍ عَنْهُ قَالَ: ائْتُونِي أي جيئوني وقِطْراً مَنْصُوبٌ بِأُفْرِغَ عَلَى إِعْمَالِ الثَّانِي، وَمَفْعُولُ آتُونِي مَحْذُوفٌ لِدَلَالَةِ الثَّانِي عَلَيْهِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015