عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، تَنْوِيهٌ عظيم وتشريف لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم مِنْ حَيْثُ الْمُشَارَكَةُ فِي تَحْصِيلِ الْهِدَايَةِ بِإِنْزَالِهِ تَعَالَى، وَبِإِخْرَاجِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، إِذْ هُوَ الدَّاعِي وَالْمُنْذِرُ، وَإِنْ كَانَ فِي الْحَقِيقَةِ مُخْتَرِعُ الْهِدَايَةِ هُوَ اللَّهُ تعالى. والناس عَامٌّ، إِذْ هُوَ مَبْعُوثٌ إِلَى الْخَلْقِ كُلِّهِمْ، وَالظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ مُسْتَعَارَانِ لِلْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ. وَلَمَّا ذَكَرَ عِلَّةَ إِنْزَالِ الْكِتَابِ وَهِيَ قَوْلُهُ: لِتُخْرِجَ قَالَ: بِإِذْنِ رَبِّهِمْ، أَيْ: ذَلِكَ الْإِخْرَاجُ بِتَسْهِيلِ مَالِكِهِمُ النَّاظِرِ فِي مَصَالِحِهِمْ، إِذْ هُمْ عَبِيدُهُ، فَنَاسَبَ ذِكْرَ الرَّبِّ هُنَا تَنْبِيهًا عَلَى مِنَّةِ الْمَالِكِ، وَكَوْنُهُ نَاظِرًا في حال عبيده. وبإذن ظَاهِرُهُ التَّعَلُّقُ بِقَوْلِهِ: لِتُخْرِجَ. وَجَوَّزَ أَبُو الْبَقَاءِ أَنْ يَكُونَ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ قَالَ: أَيْ مَأْذُونًا لَكَ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: بِإِذْنِ رَبِّهِمْ بِتَسْهِيلِهِ وَتَيْسِيرِهِ، مُسْتَعَارٌ مِنَ الْإِذْنِ الَّذِي هُوَ تَسْهِيلُ الْحِجَابِ، وَذَلِكَ مَا يَمْنَحُهُمْ مِنَ اللُّطْفِ وَالتَّوْفِيقِ انْتَهَى. وَفِيهِ دَسِيسَةُ الِاعْتِزَالِ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ: إِلَى صِرَاطِ، بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ إِلَى النُّورِ، وَلَا يَضُرُّ هَذَا الْفَصْلَ بَيْنَ الْمُبْدَلِ مِنْهُ وَالْبَدَلِ، لِأَنَّ بِإِذْنِ مَعْمُولٌ لِلْعَامِلِ فِي الْمُبْدَلِ مِنْهُ وَهُوَ لِتُخْرِجَ. وَأَجَازَ الزَّمَخْشَرِيُّ أَنْ يَكُونَ إِلَى صِرَاطِ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِئْنَافِ، كَأَنَّهُ قِيلَ: إِلَى أَيِّ نُورٍ، فَقِيلَ: إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ. وقرىء: لِيَخْرُجَ مُضَارِعُ خَرَجَ بِالْيَاءِ بنقطتين من تحتها، والناس رُفِعَ بِهِ. وَلَمَّا كَانَ قَوْلُهُ: إِلَى النُّورِ، فِيهِ إِبْهَامٌ مَا أَوْضَحَهُ بِقَوْلِهِ: إِلَى صِرَاطِ. وَلَمَّا تَقَدَّمَ شَيْئَانِ أَحَدُهُمَا إِسْنَادُ إِنْزَالِ هَذَا الْكِتَابِ إِلَيْهِ. وَالثَّانِي إِخْرَاجُ النَّاسِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ، نَاسَبَ ذِكْرُ هَاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ صِفَةَ الْعِزَّةِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِلْقُدْرَةِ وَالْغَلَبَةِ وَذَلِكَ مِنْ حَيْثُ إِنْزَالُ الْكِتَابِ، وَصِفَةُ الْحَمْدِ الْمُتَضَمِّنَةُ اسْتِحْقَاقِهِ الْحَمْدَ مِنْ حَيْثُ الْإِخْرَاجِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ، إِذِ الْهِدَايَةُ إِلَى الْإِيمَانِ هِيَ النِّعْمَةُ الَّتِي يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ الْحَمْدُ عَلَيْهَا وَالشُّكْرُ. وَتَقَدَّمَتْ صِفَةُ الْعَزِيزِ، لِتَقَدُّمِ مَا دَلَّ عَلَيْهَا، وَتَلِيهَا صِفَةُ الْحَمِيدِ لِتُلُوِّ مَا دَلَّ عَلَيْهَا. وَقَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ اللَّهُ بِالرَّفْعِ فَقِيلَ: مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ: هُوَ اللَّهُ. وَهَذَا الْإِعْرَابُ أَمْكَنَ لِظُهُورِ تَعَلُّقِهِ بِمَا قَبْلَهُ، وَتَفَلُّتِهِ عَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ. وَقَرَأَ بَاقِي السَّبْعَةِ وَالْأَصْمَعِيُّ عَنْ نَافِعٍ: اللَّهِ بِالْجَرِّ عَلَى الْبَدَلِ فِي قَوْلِ ابْنِ عَطِيَّةَ، وَالْحَوْفِيِّ، وَأَبِي الْبَقَاءِ. وَعَلَى عَطْفِ الْبَيَانِ فِي قَوْلِ الزَّمَخْشَرِيِّ قَالَ: لِأَنَّهُ جَرَى مَجْرَى الْأَسْمَاءِ الْأَعْلَامِ لِغَلَبَتِهِ وَاخْتِصَاصِهِ بِالْمَعْبُودِ الَّذِي يَحِقُّ لَهُ الْعِبَادَةُ، كَمَا غَلَبَ النَّجْمُ عَلَى الثُّرَيَّا انْتَهَى. وَهَذَا التَّعْلِيلُ لَا يَتِمُّ إِلَّا عَلَى تَقْدِيرِ: أَنْ يَكُونَ أَصْلُهُ الْإِلَهَ، ثُمَّ نُقِلَتِ الْحَرَكَةُ إِلَى لَامِ التَّعْرِيفِ وَحُذِفَتِ الْهَمْزَةُ، وَالْتَزَمَ فِيهِ النَّقْلَ وَالْحَذْفَ، وَمَادَّتُهُ إِذْ ذَاكَ الْهُمَزَةُ وَاللَّامُ وَالْهَاءُ، وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْأَقْوَالُ فِي هَذَا اللَّفْظِ فِي الْبَسْمَلَةِ أَوَّلَ الْحَمْدِ. وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ عُصْفُورٍ: لَا تُقَدَّمُ صِفَةٌ عَلَى مَوْصُوفٍ إِلَّا حَيْثُ سُمِعَ وَذَلِكَ قَلِيلٌ، وَلِلْعَرَبِ فِيمَا وُجِدَ