الضَّمِيرِ فِي مَجْمُوعٌ، وَقِيَاسُهُ على إعرابه مجموعون، ومجموع لَهُ النَّاسُ عِبَارَةٌ عَنِ الحشر، ومشهود عَامٌّ يَشْهَدُهُ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ مِنَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْحَيَوَانِ فِي قَوْلِ الْجُمْهُورِ.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: (فَإِنْ قُلْتَ) : أَيُّ فَائِدَةٍ فِي أَنْ أُوثِرَ اسْمُ الْمَفْعُولِ عَلَى فِعْلِهِ؟
(قُلْتُ) : لِمَا فِي اسْمِ الْمَفْعُولِ مِنْ دِلَالَتِهِ عَلَى ثَبَاتِ مَعْنَى الْجَمْعِ لِلْيَوْمِ، وَأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مِيعَادًا مَضْرُوبًا لِجَمْعِ النَّاسِ لَهُ، وَأَنَّهُ هُوَ الْمَوْصُوفُ بِذَلِكَ صِفَةً لَازِمَةً، وَهُوَ أَثْبَتُ أَيْضًا لِإِسْنَادِ الْجَمْعِ إِلَى النَّاسِ وَأَنَّهُمْ لَا يَنْفَكُّونَ مِنْهُ، وَفِيهِ مِنْ تَمَكُّنِ الْوَصْفِ وَثَبَاتِهِ مَا لَيْسَ فِي الْفِعْلِ. وَمَعْنَى مَشْهُودٌ، مَشْهُودٌ فِيهِ، فَاتُّسِعَ فِي الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ وَوَصَلَ الْفِعْلَ إِلَى الضَّمِيرِ إجراء له مَجْرَى الْمَفْعُولِ بِهِ عَلَى السَّعَةِ لِقَوْلِهِ:
وَيَوْمًا شَهِدْنَاهُ سُلَيْمًا وَعَامِرًا وَالْمَعْنَى: يَشْهَدُ فِيهِ الْخَلَائِقُ الْمَوْقِفَ لَا يَغِيبُ عَنْهُ أَحَدٌ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ لِفُلَانٍ: مَجْلِسٌ مَشْهُودٌ، وَطَعَامٌ مَحْضُورٌ. وَإِنَّمَا لَمْ يُجْعَلِ الْيَوْمُ مَشْهُودًا فِي نَفْسِهِ كَمَا قَالَ: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ (?) لِأَنَّ الْغَرَضَ وَصْفُ ذَلِكَ الْيَوْمِ بِالْهَوْلِ وَالْعِظَمِ وَغَيْرِهِ مِنْ بَيْنِ الْأَيَّامِ، وَكَوْنُهُ مَشْهُودًا فِي نَفْسِهِ لَا يُمَيِّزُهُ، إِذْ هُوَ مُوَافِقٌ لِسَائِرِ الْأَيَّامِ فِي كَوْنِهَا مَشْهُودَةً. وَمَا نُؤَخِّرُهُ أَيْ: ذَلِكَ الْيَوْمَ. وَقِيلَ: يَعُودُ عَلَى الْجَزَاءِ قَالَهُ الْحَوْفِيُّ، إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ أَيْ لِقَضَاءٍ سَابِقٍ قَدْ نَفَذَ فِيهِ بِأَجَلٍ مَحْدُودٍ لَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ وَلَا يَتَأَخَّرُ عَنْهُ. وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ: وَمَا يُؤَخِّرُهُ بِالْيَاءِ، وَقَرَأَ النَّحْوِيَّانِ وَنَافِعٌ: يَأْتِي بِإِثْبَاتِ الْيَاءِ وَصْلًا، وَحَذْفِهَا وَقْفًا، وَابْنُ كَثِيرٍ بِإِثْبَاتِهَا وَصْلًا وَوَقْفًا، وَهِيَ ثَابِتَةٌ فِي مُصْحَفِ أُبَيٍّ. وَقَرَأَ بَاقِي السَّبْعَةِ بِحَذْفِهَا وَصْلًا وَوَقْفًا، وَسَقَطَتْ فِي مُصْحَفِ الْإِمَامِ عُثْمَانَ. وَقَرَأَ الْأَعْمَشُ يَأْتُونَ، وَكَذَا فِي مُصْحَفِ عَبْدِ اللَّهِ، وَإِثْبَاتُهَا وَصْلًا وَوَقْفًا هُوَ الْوَجْهُ، وَوَجْهُ حَذْفِهَا فِي الْوَقْفِ التَّشْبِيهُ بِالْفَوَاصِلِ، وَقْفًا وَوَصْلًا التَّخْفِيفُ كَمَا قَالُوا: لَا أَدْرِ وَلَا أُبَالِ. وَذَكَرَ الزَّمَخْشَرِيُّ أَنَّ الِاجْتِزَاءَ بِالْكَسْرَةِ عَنِ الْيَاءِ كَثِيرٌ فِي لُغَةِ هُذَيْلٍ، وَأَنْشَدَ الطَّبَرِيُّ:
كَفَّاكَ كف ما يليق دِرْهَمًا ... جُودًا وَأُخْرَى تُعْطِ بِالسَّيْفِ الدَّمَا
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْفَاعِلَ بِيَأْتِي ضَمِيرٌ يَعُودُ عَلَى مَا عَادَ عَلَيْهِ الضَّمِيرُ فِي نُؤَخِّرُهُ وَهُوَ قَوْلُهُ:
ذَلِكَ يَوْمٌ، وَالنَّاصِبُ لَهُ لَا تَكَلَّمُ، وَالْمَعْنَى: لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ يَوْمَ يَأْتِي ذَلِكَ الْيَوْمُ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ، وَذَلِكَ مِنْ عِظَمِ الْمَهَابَةِ وَالْهَوْلِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ. وَهُوَ نَظِيرُ: لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ