تَعَالَى أَيْ: وَنَسِيتُمُوهُ وَجَعَلْتُمُوهُ كَالشَّيْءِ الْمَنْبُوذِ وَرَاءَ الظَّهْرِ لَا يُعْبَأُ بِهِ. وَالظِّهْرِيُّ بِكَسْرِ الظَّاءِ مَنْسُوبٌ إِلَى الظَّهْرِ مِنْ تَغْيِيرَاتِ النَّسَبِ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُمْ فِي النَّسَبِ إِلَى الْأَمْسِ إِمْسِيٌّ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ، وَلَمَّا خَاطَبُوهُ خِطَابَ الْإِهَانَةِ وَالْجَفَاءِ جَرْيًا عَلَى عَادَةِ الْكُفَّارِ مَعَ أَنْبِيَائِهِمْ، خَاطَبَهُمْ خِطَابَ الِاسْتِعْطَافِ وَالتَّلَطُّفِ جَرْيًا عَلَى عَادَتِهِ فِي إِلَانَةِ الْقَوْلِ لَهُمْ، وَالْمَعْنَى: أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ حَتَّى جَعَلْتُمْ مُرَاعَاتِي مِنْ أَجْلِهِمْ وَلَمْ تُسْنِدُوهَا إِلَى اللَّهِ، وَأَنَا أَوْلَى وَأَحَقُّ أَنْ أُرَاعَى مِنْ أَجْلِهِ. فَالْمُرَاعَاةُ لِأَجْلِ الْخَالِقِ أَعْظَمُ مِنَ الْمُرَاعَاةِ لِأَجْلِ الْمَخْلُوقِ، وَالظِّهْرِيُّ الْمَنْسِيُّ الْمَتْرُوكُ الَّذِي جُعِلَ كَأَنَّهُ خَلْفُ الظَّهْرِ. وَقِيلَ: الضَّمِيرُ فِي وَاتَّخَذْتُمُوهُ به عَائِدٌ عَلَى الشَّرْعِ الَّذِي جَاءَ شُعَيْبٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَقِيلَ: الظِّهْرِيُّ الْعَوْنُ وَمَا يُتَقَوَّى بِهِ. قَالَ الْمُبَرِّدُ: فَالْمَعْنَى وَاتَّخَذْتُمُ الْعِصْيَانَ عِنْدَهُ لِدَفْعِي انْتَهَى. فَيَكُونُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ: وَاتَّخَذْتُمُوهُ أَيْ عِصْيَانَهُ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: وَاتَّخَذْتُمُوهُ أَيْ وَأَنْتُمْ مُتَّخِذُونَ اللَّهَ سَنَدَ ظُهُورِكُمْ وَعِمَادَ آمَالِكُمْ. فَقَوْلُ الْجُمْهُورِ: عَلَى أَنَّ كُفْرَ قَوْمِ شُعَيْبٍ كَانَ جَحْدًا بِاللَّهِ وَجَهْلًا بِهِ، وَهَذَا الْقَوْلُ الثَّانِي عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يُقِرُّونَ بِالْخَالِقِ الرَّازِقِ وَيَعْتَقِدُونَ الْأَصْنَامَ وَسَائِطَ وَوَسَائِلَ، وَمِنَ اللَّفْظَةِ الِاسْتِظْهَارُ بِالْبَيِّنَةِ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: الظِّهْرِيُّ الْفَضْلُ، مِثْلَ الْحَمَّالِ يَخْرُجُ مَعَهُ بِإِبِلٍ ظِهَارِيَّةٍ يَعُدُّهَا إِنِ احْتَاجَ إِلَيْهَا، وَإِلَّا فَهِيَ فَضْلَةٌ. مُحِيطٌ أَحَاطَ بِأَعْمَالِكُمْ فَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْهَا، وَفِي ضِمْنِهِ تَوَعُّدٌ وَتَهْدِيدٌ، وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُ نَظِيرِ قَوْلِهِ: وَيا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ (?) وَخِلَافُ الْقُرَّاءِ فِي مَكَانَتِكُمْ. وَجَوَّزَ الْفَرَّاءُ، وَالزَّمَخْشَرِيُّ: فِي مَنْ يَأْتِيهِ أَنْ تَكُونَ مَوْصُولَةً مَفْعُولَةً بِقَوْلِهِ: تَعْلَمُونَ أَيْ: تَعْلَمُونَ الشَّقِيَّ الَّذِي يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَالَّذِي هُوَ كَاذِبٌ، وَاسْتِفْهَامِيَّةً فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلَى الِابْتِدَاءِ، وتعلمون مُعَلَّقٌ كَأَنَّهُ قِيلَ: أَيُّنَا يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ، وَأَيُّنَا هُوَ كَاذِبٌ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ، يَعْنِي كَوْنَهَا مَفْعُولَةً قَالَ:
لِأَنَّهَا مَوْصُولَةٌ، وَلَا يُوصَلُ فِي الِاسْتِفْهَامِ، وَيَقْضِي بِصِلَتِهَا أَنَّ الْمَعْطُوفَةَ عَلَيْهَا مَوْصُولَةٌ لَا مَحَالَةَ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ: وَيَقْضِي بِصِلَتِهَا إِلَخْ لَا يَقْضِي بِصِلَتِهَا، إِذْ لَا يَتَعَيَّنُ أَنْ تَكُونَ مَوْصُولَةً لَا مَحَالَةَ كَمَا قَالَ، بَلْ تَكُونُ اسْتِفْهَامِيَّةً إِذَا قَدَّرْتَهَا مَعْطُوفَةً عَلَى مَنْ الِاسْتِفْهَامِيَّةِ، كَمَا قَدَّرْنَاهُ وَأَيُّنَا هُوَ كَاذِبٌ.
قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: (فَإِنْ قُلْتَ) : أَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ إِدْخَالِ الْفَاءِ وَنَزْعِهَا فِي سَوْفَ تَعْلَمُونَ؟
(قُلْتُ) : إِدْخَالُ الْفَاءِ وَصْلٌ ظَاهِرٌ بِحَرْفٍ مَوْضُوعٍ لِلْوَصْلِ، وَنَزْعُهَا وَصْلٌ خفي تقديري