أَوْ كَانُوا يَفْهَمُونَهُ وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَقْبَلُوهُ، فَكَأَنَّهُمْ لَمْ يَفْقَهُوهُ، أَوْ قَالُوا ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِهَانَةِ بِهِ كَمَا يَقُولُ الرَّجُلُ لِصَاحِبِهِ إِذَا لَمْ يَعْبَأْ بِحَدِيثِهِ: مَا أَدْرِي مَا تَقُولُ. أَوْ جَعَلُوا كَلَامَهُ هَذَيَانًا وَتَخْلِيطًا لَا يُتَفَهَّمُ كَثِيرٌ مِنْهُ، وَكَيْفَ لَا يُتَفَهَّمُ كَلَامُهُ وَهُوَ خَطِيبُ الْأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ. ثُمَّ الذي جاورهم بِهِ مِنَ الْكَلَامِ وَخَاطَبَهُمْ بِهِ هُوَ مِنْ أَفْصَحِ الْكَلَامِ وَأَجَلِّهِ وَأَدَلِّهِ عَلَى مَعَانِيهِ بِحَيْثُ يَفْقَهُهُ مَنْ كَانَ بَعِيدَ الْفَهْمِ، فَضْلًا عَنِ الْأَذْكِيَاءِ الْعُقَلَاءِ، وَلَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرَادَ خِذْلَانَهُمْ. وَمَعْنَى ضَعِيفًا: لَا قُوَّةَ لَكَ وَلَا عِزَّ فِيمَا بَيْنَنَا، فَلَا تَقْدِرُ عَلَى الامتناع منا إِنْ أَرَدْنَاكَ بِمَكْرُوهٍ، وَعَنِ الْحَسَنِ: ضَعِيفًا مَهِينًا.
وَقِيلَ: كَانَ نَاحِلَ الْبَدَنِ زَمِنَهُ لَا يَقَعُ فِي الْقَلْبِ مِنْهُ هَيْبَةٌ وَلَا فِي الْعَيْنِ مِنْهُ امْتِلَاءٌ
، وَالْعَرَبُ تُعَظِّمُ بِكِبَرِ الْأَجْسَامِ، وَتَذُمُّ بِدَمَامَتِهَا.
وَقَالَ الْبَاقِرُ: مَهْجُورًا لَا تُجَالَسُ وَلَا تُعَاشَرُ.
وَقَالَ مُقَاتِلٌ: ضَعِيفًا أَيْ لَمْ يُؤْمِنْ بِكَ رَهْطُكَ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: وَحِيدًا فِي مَذْهَبِكَ وَاعْتِقَادِكَ. وَقَالَ ابْنُ جُبَيْرٍ وَشَرِيكٌ الْقَاضِي: ضَعِيفًا ضَرِيرَ الْبَصَرِ أَعْمَى. وَحَكَى الزَّهْرَاوِيُّ وَالزَّمَخْشَرِيُّ: أَنَّ حِمْيَرَ تُسَمِّي الْأَعْمَى ضَعِيفًا، وَيُبْعِدُهُ تَفْسِيرُهُ هُنَا بِأَعْمَى أَوْ بِنَاحِلِ الْبَدَنِ أَوْ بِضَعِيفِ الْبَصَرِ كَمَا قَالَهُ الثَّوْرِيُّ. وَزَعَمَ أَبُو رَوْقٍ: أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَبْعَثْ نَبِيًّا أَعْمَى، وَلَا نَبِيًّا بِهِ زَمَانَةٌ، بَلِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ ضَعِيفُ الِانْتِصَارِ وَالْقُدْرَةِ. وَلَوْلَا رَهْطُكَ احْتَرَمُوهُ لِرَهْطِهِ إِذْ كَانُوا كُفَّارًا مِثْلَهُمْ، أَوْ كَانَ فِي عِزَّةٍ وَمَنَعَةٍ مِنْهُمْ لَرَجَمْنَاكَ. ظَاهِرُهُ الْقَتْلُ بِالْحِجَارَةِ، وَهِيَ مِنْ شَرِّ الْقِتْلَاتِ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ. وَقَالَ الطَّبَرِيُّ: رَجَمْنَاكَ بِالسَّبِّ، وَهَذَا أَيْضًا تَسْتَعْمِلُهُ الْعَرَبُ وَمِنْهُ: لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (?) وَقِيلَ: لَأَبْعَدْنَاكَ وَأَخْرَجْنَاكَ مِنْ أَرْضِنَا. وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ أَيْ: لَا تُعَزُّ وَلَا تُكْرَمُ حَتَّى نُكْرِمَكَ مِنَ الْقَتْلِ، وَنَرْفَعَكَ عَنِ الرَّجْمِ. وَإِنَّمَا يَعِزُّ عَلَيْنَا رَهْطُكُ لِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ دِينِنَا لَمْ يَحْتَاجُّوكَ عَلَيْنَا. وَقِيلَ: بِعَزِيزٍ بِذِي مَنَعَةٍ، وَعِزَّةِ مَنْزِلَةِ فِي نُفُوسِنَا. وَقِيلَ: بِذِي غَلَبَةٍ. وَقِيلَ: بِمُلْكٍ، وَكَانُوا يُسَمُّونَ الْمَلِكَ عَزِيزًا. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَقَدْ دَلَّ إِيلَاءُ ضَمِيرِهِ حَرْفَ النَّفْيِ عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ وَاقِعٌ فِي الْفَاعِلِ، لَا فِي الْفِعْلِ، كَأَنَّهُ قِيلَ: وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ بَلْ رَهْطُكَ هُمُ الْأَعِزَّةُ عَلَيْنَا، وَلِذَلِكَ قَالَ فِي جَوَابِهِمْ: أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ؟ وَلَوْ قِيلَ: وَمَا عَزَزْتَ عَلَيْنَا لَمْ يَصِحَّ هَذَا الْجَوَابُ. (فَإِنْ قُلْتَ) : فَالْكَلَامُ وَاقِعٌ فِيهِ وَفِي رَهْطِهِ وَأَنَّهُمُ الْأَعِزَّةُ عَلَيْهِمْ دُونَهُ، فَكَيْفَ صَحَّ قَوْلُهُ: أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ؟ (قُلْتُ) : تَهَاوُنُهُمْ بِهِ وَهُوَ نَبِيُّ اللَّهِ تَهَاوُنٌ بِاللَّهِ فَحِينَ عَزَّ عَلَيْهِمْ رَهْطُهُ دُونَهُ، كَانَ رَهْطُهُ أَعَزَّ عَلَيْهِمْ مِنَ اللَّهِ. أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ (?) انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ فِي قَوْلِهِ: وَاتَّخَذْتُمُوهُ، أَنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ عَلَى الله