نَصَبَهُ عَلَى الْبَدَلِ فَضَعِيفٌ لِلْفَصْلِ بِقَوْلِهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَرَبُّ مَصْدَرٌ وُصِفَ بِهِ عَلَى أَحَدِ وُجُوهِ الْوَصْفِ بِالْمَصْدَرِ، أَوِ اسْمُ فَاعِلٍ حُذِفَتْ أَلِفُهُ، فَأَصْلُهُ رَابٌّ، كَمَا قَالُوا رَجُلٌ بَارٌّ وَبَرٌّ، وَأَطْلَقُوا الرَّبَّ عَلَى اللَّهِ وَحْدَهُ، وَفِي غَيْرِهِ قُيِّدَ بِالْإِضَافَةِ نَحْوَ رَبِّ الدَّارِ. وَأَلْ فِي الْعَالَمِينَ لِلِاسْتِغْرَاقِ، وَجَمْعُ الْعَالَمِ شَاذٌّ لِأَنَّهُ اسْمُ جَمْعٍ، وَجَمْعُهُ بِالْوَاوِ وَالنُّونِ أَشَذُّ لِلْإِخْلَالِ بِبَعْضِ الشُّرُوطِ الَّتِي لِهَذَا الْجَمْعِ، وَالَّذِي أَخْتَارُهُ أَنَّهُ يَنْطَلِقُ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ (?) ، وَقِرَاءَةُ حَفْصٍ بِكَسْرِ اللَّامِ تُوَضِّحُ ذَلِكَ.
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِمَا فِي الْبَسْمَلَةِ، وَهُمَا مَعَ قَوْلِهِ رَبِّ الْعالَمِينَ صِفَاتُ مَدْحٍ، لِأَنَّ مَا قَبْلَهُمَا عَلَمٌ لَمْ يَعْرِضْ فِي التَّسْمِيَةِ بِهِ اشْتَرَاكٌ فَيُخَصَّصُ، وَبَدَأَ أَوَّلًا بِالْوَصْفِ بِالرُّبُوبِيَّةِ، فَإِنْ كَانَ الرَّبُّ بِمَعْنَى السَّيِّدِ، أَوْ بِمَعْنَى الْمَالِكِ، أَوْ بِمَعْنَى الْمَعْبُودِ، كَانَ صِفَةَ فِعْلٍ لِلْمَوْصُوفِ بِهَا التَّصْرِيفُ فِي الْمَسُودِ وَالْمَمْلُوكِ وَالْعَابِدِ بِمَا أَرَادَ مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، فَنَاسَبَ ذَلِكَ الْوَصْفُ بِالرَّحْمَانِيَّةِ وَالرَّحِيمِيَّةِ، لِيَنْبَسِطَ أَمَلُ الْعَبْدِ فِي الْعَفْوِ إِنْ زَلَّ، وَيَقْوَى رَجَاؤُهُ إِنْ هَفَا، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الرَّبُّ بِمِعْنَى الثَّابِتِ، وَلَا بِمَعْنَى الصَّاحِبِ، لِامْتِنَاعِ إِضَافَتِهِ إِلَى الْعَالَمِينَ، وَإِنْ كَانَ بِمَعْنَى الْمُصْلِحِ، كَانَ الْوَصْفُ بِالرَّحْمَةِ مُشْعِرًا بِقِلَّةِ الْإِصْلَاحِ، لِأَنَّ الْحَامِلَ لِلشَّخْصِ عَلَى إِصْلَاحِ حَالِ الشَّخْصِ رَحْمَتُهُ لَهُ. وَمَضْمُونُ الْجُمْلَةِ وَالْوَصْفِ أَنَّ مَنْ كَانَ مَوْصُوفًا بِالرُّبُوبِيَّةِ وَالرَّحْمَةِ لِلْمَرْبُوبِينَ كَانَ مُسْتَحِقًّا لِلْحَمْدِ. وَخَفَضَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْجُمْهُورُ، وَنَصَبَهُمَا أَبُو الْعَالِيَةِ وَابْنُ السَّمَيْفَعِ وَعِيسَى بْنُ عَمْرٍو، وَرَفَعَهُمَا أَبُو رَزِينٍ الْعُقَيْلِيُّ وَالرَّبِيعُ بْنُ خَيْثَمٍ وَأَبُو عِمْرَانَ الْجُونِيُّ، فَالْخَفْضُ عَلَى النَّعْتِ، وَقِيلَ فِي الْخَفْضِ إِنَّهُ بَدَلٌ أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ، وَتَقَدَّمَ شَيْءٌ مِنْ هَذَا. وَالنَّصْبُ وَالرَّفْعُ لِلْقَطْعِ. وَفِي تَكْرَارِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِنْ كَانَتِ التَّسْمِيَةُ آيَةً مِنَ الْفَاتِحَةِ تَنْبِيهٌ عَلَى عِظَمِ قَدْرِ هَاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ وَتَأْكِيدُ أَمْرِهِمَا، وَجَعَلَ مَكِّيٌّ تَكْرَارَهَا دَلِيلًا عَلَى أَنَّ التَّسْمِيَةَ لَيْسَتْ بِآيَةٍ مِنَ الْفَاتِحَةِ، قَالَ: إِذْ لَوْ كَانَتْ آيَةً لَكُنَّا قَدْ أَتَيْنَا بِآيَتَيْنِ مُتَجَاوِرَتَيْنِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَهَذَا لَا يُوجَدُ إِلَّا بِفَوَاصِلَ تَفْصِلُ بَيْنَ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ. قَالَ: والفصل بينهما بالحمد لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ كَلَا فَصْلٍ، قَالَ: لِأَنَّهُ مُؤَخَّرٌ يُرَادُ بِهِ التَّقْدِيمُ تَقْدِيرُهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَإِنَّمَا قُلْنَا بِالتَّقْدِيمِ لِأَنَّ مُجَاوَرَةَ الرَّحْمَةِ بِالْحَمْدِ أَوْلَى، وَمُجَاوَرَةَ الْمَلِكِ بِالْمُلْكِ أَولَى. قَالَ: وَالتَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ، وَكَلَامُ مَكِّيٍّ مَدْخُولٌ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، وَلَوْلَا جَلَالَةُ قَائِلِهِ نَزَّهْتُ كِتَابِي هَذَا عَنْ ذِكْرِهِ. وَالتَّرْتِيبُ الْقُرْآنِيُّ جَاءَ فِي غَايَةِ الْفَصَاحَةِ لِأَنَّهُ تَعَالَى وَصَفَ نَفْسَهُ بصفة الربوبية وصفة