ظُهُورِهِ شَغْلَ الْكَلِمَةِ بِحَرَكَةِ الْإِتْبَاعِ، كَمَا فِي الْمَحْكِيِّ وَالْمُدْغَمِ. وَقَرَأَ هَارُونُ الْعَتَكِيُّ، وَرُؤْبَةُ، وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ الْحَمْدَ بِالنَّصْبِ. وَالْحَمْدُ مَصْدَرٌ مُعَرَّفٌ بِأَلْ، إِمَّا لِلْعَهْدِ، أَيِ الْحَمْدُ الْمَعْرُوفُ بَيْنَكُمْ لِلَّهِ، أَوْ لِتَعْرِيفِ الْمَاهِيَّةِ، كالدينار خَيْرٌ مِنَ الدِّرْهَمِ، أَيْ: أَيُّ دِينَارٍ كَانَ فَهُوَ خَيْرٌ مِنْ أَيِّ دِرْهَمٍ كَانَ، فَيَسْتَلْزِمُ إِذْ ذَاكَ الْأَحْمِدَةَ كُلَّهَا، أَوْ لِتَعْرِيفِ الْجِنْسِ، فَيَدُلُّ عَلَى اسْتِغْرَاقِ الْأَحْمِدَةِ كُلِّهَا بِالْمُطَابَقَةِ. وَالْأَصْلُ فِي الْحَمْدِ لَا يُجْمَعُ، لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ. وَحَكَى ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: جَمْعَهُ عَلَى أَحْمَدَ كَأَنَّهُ رَاعَى فِيهِ جَامِعُهُ اخْتِلَافَ الْأَنْوَاعِ، قَالَ:
وَأَبْلَجَ مَحْمُودِ الثَّنَاءِ خَصَصْتُهُ ... بِأَفْضَلِ أَقْوَالِي وَأَفْضَلَ أَحْمُدِي
وَقِرَاءَةُ الرَّفْعِ أَمْكَنُ فِي الْمَعْنَى، وَلِهَذَا أَجْمَعَ عَلَيْهَا السَّبْعَةُ، لِأَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ الْحَمْدِ وَاسْتِقْرَارِهِ لِلَّهِ تَعَالَى، فَيَكُونُ قَدْ أَخْبَرَ بِأَنَّ الْحَمْدَ مُسْتَقِرٌّ لِلَّهِ تَعَالَى، أَيْ حَمْدُهُ وَحَمْدُ غَيْرِهِ. وَمَعْنَى اللَّامُ فِي لِلَّهِ الِاسْتِحْقَاقُ، وَمَنْ نَصَبَ، فَلَا بُدَّ مِنْ عَامِلٍ تَقْدِيرُهُ أَحْمَدُ اللَّهَ أَوْ حَمِدْتُ اللَّهَ، فَيَتَخَصَّصُ الْحَمْدُ بِتَخْصِيصِ فَاعِلِهِ، وَأَشْعَرَ بِالتَّجَدُّدِ وَالْحُدُوثِ، وَيَكُونُ فِي حَالَةِ النَّصْبِ مِنَ الْمَصَادِرِ الَّتِي حُذِفَتْ أَفْعَالُهَا، وَأُقِيمَتْ مَقَامَهَا، وَذَلِكَ فِي الْأَخْبَارِ، نَحْوَ شُكْرًا لَا كُفْرًا. وَقَدَّرَ بَعْضُهُمُ الْعَامِلَ لِلنَّصْبِ فِعْلًا غَيْرَ مُشْتَقٍّ مِنَ الْحَمْدِ، أَيْ أَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ، أَوِ الْزَمُوا الْحَمْدَ لِلَّهِ، كَمَا حَذَفُوهُ مِنْ نَحْوِ اللَّهُمَّ ضَبْعًا وَذِئْبًا، وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ لِدَلَالَةِ اللَّفْظِ عَلَيْهِ. وَفِي قِرَاءَةِ النَّصْبِ، اللَّامُ لِلتَّبْيِينِ، كَمَا قَالَ أَعْنِي لِلَّهِ، وَلَا تَكُونُ مُقَوِّيَةً لِلتَّعْدِيَةِ، فَيَكُونُ لِلَّهِ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِالْمَصْدَرِ لِامْتِنَاعِ عَمَلِهِ فِيهِ. قَالُوا سُقْيًا لِزَيْدٍ، وَلَمْ يَقُولُوا سُقْيًا زَيْدًا، فَيُعْمِلُونَهُ فِيهِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَعْمُولِ الْمَصْدَرِ، بَلْ صَارَ عَلَى عَامِلٍ آخَرَ.
وَقَرَأَ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ وَطَائِفَةٌ رَبِّ الْعالَمِينَ بِالنَّصْبِ عَلَى الْمَدْحِ، وَهِيَ فَصِيحَةٌ لَوْلَا خَفْضُ الصِّفَاتِ بَعْدَهَا، وَضَعُفَتْ إِذْ ذَاكَ. عَلَى أَنَّ الْأَهْوَازِيَّ حَكَى فِي قِرَاءَةِ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَرَأَ رَبِّ الْعالَمِينَ، الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ بِنَصْبِ الثَّلَاثَةِ، فَلَا ضَعْفَ إِذْ ذَاكَ، وَإِنَّمَا تَضْعُفُ قِرَاءَةُ نَصْبِ رَبٍّ، وَخَفْضِ الصِّفَاتِ بَعْدَهَا لِأَنَّهُمْ نَصُّوا أَنَّهُ لَا إِتْبَاعَ بَعْدَ الْقَطْعِ فِي النُّعُوتِ، لَكِنَّ تَخْرِيجَهَا عَلَى أَنْ يَكُونَ الرَّحْمَنُ بَدَلًا، وَلَا سِيَّمَا عَلَى مَذْهَبِ الْأَعْلَمِ، إِذْ لَا يُجِيزُ فِي الرَّحْمَنِ أَنْ يَكُونَ صِفَةً، وَحَسَّنَ ذَلِكَ عَلَى مَذْهَبِ غَيْرِهِ، كَوْنُهُ وَصْفًا خَاصًّا، وَكَوْنُ الْبَدَلِ عَلَى نِيَّةِ تَكْرَارِ الْعَامِلِ، فَكَأَنَّهُ مُسْتَأْنَفٌ مِنْ جُمْلَةٍ أُخْرَى، فَحَسُنَ النَّصْبُ. وَقَوْلُ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ نَصَبَ رَبِّ بِفِعْلٍ دَلَّ عَلَيْهِ الْكَلَامُ قَبْلَهُ، كَأَنَّهُ قِيلَ نَحْمَدُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ، ضَعِيفٌ، لِأَنَّهُ مُرَاعَاةُ التَّوَهُّمِ، وَهُوَ مِنْ خَصَائِصِ الْعَطْفِ، وَلَا يَنْقَاسُ فِيهِ. وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ