ثُمَّ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي كَوْنِهَا لِلتَّعْقِيبِ بَيْنَ الْعَاطِفَةِ وَالْوَاقِعَةِ جَوَابًا لِلشَّرْطِ وَسَبَقَ فِي كَلَامِ الْفَارِسِيِّ الِاسْتِدْلَال بِجَوَابِ الشَّرْطِ، فَاقْتَضَى أَنَّهُ مَحَلُّ وِفَاقٍ. وَقَالَ ابْنُ الْخَشَّابِ فِي " الْعَوْنِيِّ ": الْمَعْنَى الْخَاصُّ بِالْفَاءِ التَّعْقِيبُ فَلَا تَكُونُ عَاطِفَةً إلَّا مُعَقِّبَةً، وَقَدْ تَكُونُ مُعَقِّبَةً غَيْرَ عَاطِفَةٍ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى {ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا} [المؤمنون: 14] وَالْفَاءُ فِي هَذَا وَشَبَهِهِ عَاطِفَةٌ مُعَقِّبَةٌ، وَنَظِيرُهُ فِي الْكَلَامِ: جَاءَ زَيْدٌ فَعَمْرٌو، وَأَمَّا الْمُعَقِّبَةُ غَيْرُ الْعَاطِفَةِ كَالْوَاقِعَةِ فِي جَوَابِ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ الْجَوَابَ يَعْقُبُ الشَّرْطَ، وَلَا يُعْطَفُ عَلَيْهِ؛ إذْ لَوْ عُطِفَ عَلَيْهِ لَكَانَ شَرْطًا أَيْضًا لَا جَوَابًا انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو الْوَلِيدِ الْبَاجِيُّ: هِيَ عِنْدَ النَّحْوِيِّينَ لِلتَّعْقِيبِ فِي الْعَطْفِ، وَأَمَّا فِي الْجَوَابِ فَقَدْ ذَهَبَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا إلَى أَنَّهَا لِلتَّعْقِيبِ أَيْضًا. وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى: {لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ} [طه: 61] وَلِأَنَّك تَقُولُ: إذَا دَخَلْت مَكَّةَ فَاشْتَرِ لِي عَبْدًا، فَإِنَّهُ لَا يَقْتَضِي التَّعْقِيبَ. انْتَهَى.
وَلِهَذَا اخْتَارَ الْقُرْطُبِيُّ أَنَّهَا رَابِطَةٌ لِلْجَزَاءِ بِالشَّرْطِ لَا غَيْرُ، وَأَنَّ التَّعْقِيبَ غَيْرُ لَازِمٍ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى: {فَيُسْحِتَكُمْ} وَقَوْلُهُ {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] وَلَيْسَ فِيهَا جَزَاءٌ عَقِبَ شَرْطِهِ. وَحَمَلَهُ الْأَوَّلُونَ عَلَى الْمَجَازِ؛ لِأَنَّ الْإِسْحَاتَ لَمَّا تَحَقَّقَ وُقُوعُهُ نُزِّلَ مَنْزِلَةَ الْوَاقِعِ عَقِبَهُ. وَمَا نَقَلَهُ الْبَاجِيُّ يُبَايِنُهُ مُبَايَنَةً ظَاهِرَةً مَا نَقَلَهُ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ فِي أُصُولِهِ " فَإِنَّهُ قَالَ مَا نَصُّهُ: إنَّ الْفَاءَ إنْ كَانَتْ لِلْجَزَاءِ فَلَا