وَمِنْهَا الْفَاءُ: وَهِيَ لِلتَّرْتِيبِ وَزِيَادَةٍ، وَهِيَ التَّعْقِيبُ أَيْ: أَنَّ الْمَعْطُوفَ بَعْدَ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ بِحَسَبِ مَا يُمْكِنُ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِمْ: إنَّهَا تَدُلُّ عَلَى التَّرْتِيبِ بِلَا مُهْلَةٍ أَيْ: فِي عَقِبِهِ وَلِهَذَا قَالَ الْمُحَقِّقُونَ مِنْهُمْ: إنَّ مَعْنَاهَا التَّفَرُّقُ عَلَى مُوَاصَلَةٍ. وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ تُحْكَى عَنْ الزَّجَّاجِ وَأَخَذَهَا ابْنُ جِنِّي فِي لُمَعِهِ ". وَمَعْنَى التَّفَرُّقِ أَنَّهَا لَيْسَتْ لِلْجَمْعِ كَالْوَاوِ، وَمَعْنَى عَلَى مُوَاصَلَةٍ أَيْ: أَنَّ الثَّانِيَ لَمَّا كَانَ يَلِي الْأَوَّلَ مِنْ غَيْرِ فَاصِلٍ زَمَانِيٍّ كَانَ مُوَاصِلًا لَهُ. وَاسْتَدَلَّ الْفَارِسِيُّ فِي " الْإِيضَاحِ " عَلَى ذَلِكَ بِوُقُوعِهَا فِي جَوَابِ الشَّرْطِ، نَحْوُ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ. يُرِيدُ أَنَّ الْجَوَابَ يَلِي الشَّرْطَ عَقِبَهُ بِلَا مُهْلَةٍ. وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا} [الأعراف: 4] قَالَ الْهَرَوِيُّ وَغَيْرُهُ مَعْنَاهُ قَرُبَ هَلَاكُهَا. وَقَالَ الْمُتَأَخِّرُونَ: أَيْ أَرَدْنَا إهْلَاكَهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا، وَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ جِهَةِ عِلْمِ الْكَلَامِ. وَقِيلَ: لَمَّا كَانَ مَجِيءُ الْبَأْسِ مَجْهُولًا عِنْدَ النَّاسِ قُدِّرَ كَالْعَدَمِ، وَلَمَّا حَصَلَ الْهَلَاكُ اعْتَقَدُوا وُجُودَهُ فَحَسُنَ دُخُولُ الْفَاءِ. وَقِيلَ: لَيْسَتْ عَاطِفَةً، وَإِنَّمَا هِيَ سَبَبِيَّةٌ، وَالْفَاءُ السَّبَبِيَّةُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا التَّعْقِيبُ، فَإِنَّك تَقُولُ: أَكْرَمْت زَيْدًا أَمْسِ، فَأَكْرَمَنِي الْيَوْمَ، وَهَذَا تَأْوِيلٌ