أَحَدُهَا: وَهُوَ الصَّحِيحُ أَنَّهَا لَا تَدُلُّ عَلَى التَّرْتِيبِ لَا فِي الْفِعْلِ كَالْفَاءِ، وَلَا فِي الْمَنْزِلَةِ كَثُمَّ، وَلَا فِي الْأَحْوَالِ كَ حَتَّى، وَإِنَّمَا هُوَ لِمُجَرَّدِ الْجَمْعِ الْمُطْلَقِ كَالتَّثْنِيَةِ، فَإِذَا قُلْت: مَرَرْت بِزَيْدٍ وَعَمْرٍو، فَهُوَ كَقَوْلِك: مَرَرْت بِهِمَا. قَالَ سِيبَوَيْهِ فِي مَرَرْت بِرَجُلٍ وَحِمَارٍ: لَمْ يَجْعَلْ الرَّجُلَ بِمَنْزِلَةِ تَقْدِيمِك إيَّاهُ يَكُونُ بِهَا أَوْلَى مِنْ الْحِمَارِ، كَأَنَّك قُلْت: مَرَرْت بِهِمَا، وَلَيْسَ فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ بَدَأَ بِشَيْءٍ قَبْلَ شَيْءٍ. انْتَهَى. فَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّهَا لِمُجَرَّدِ الْجَمْعِ، وَأَنَّهَا كَالتَّثْنِيَةِ لَا تَرْتِيبَ فِيهَا وَلَا مَعِيَّةَ، فَلِذَلِكَ تَأْتِي بِعَكْسِ التَّرْتِيبِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ} [الشورى: 3] وَالْمَعِيَّةُ، نَحْوُ اخْتَصَمَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو، وَلِلتَّرْتِيبِ، نَحْوُ {وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} [النازعات: 30] وَلَمْ تُوضَعْ لِشَيْءٍ بِخُصُوصِهِ، بَلْ لِمَا يَعُمُّهَا مِنْ الْجَمْعِ الْمُطْلَقِ. وَفَهِمَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ مِنْهُ تَعَيُّنَ إرَادَةِ الْجَمْعِ، فَاعْتَرَضَ عَلَيْهِمْ بِأَنَّا نَعْلَمُ أَنَّ الْقَائِلَ إذَا قَالَ: جَاءَنِي زَيْدٌ وَعَمْرٌو لَا تَفْهَمُ الْعَرَبُ مَجِيئَهُمَا مَعًا بَلْ يُحْتَمَلُ الْمَعِيَّةُ وَالتَّرْتِيبُ. وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ هَذَا خِلَافُ مُرَادِهِمْ، وَإِنَّمَا عَنَوْا أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى التَّشْرِيكِ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فِي الْحُكْمِ الَّذِي أُسْنِدَ إلَيْهِمَا مِنْ غَيْرِ أَنْ تَدُلَّ عَلَى أَنَّهُمَا مَعًا بِالزَّمَانِ، أَوْ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْآخَرِ.